Pages

Wednesday, August 17, 2011

ضياء الطيب



http://www.slideshare.net/sawwaf/ss-8883584

ضياء الطيب

قصة قصيرة

" ألف مبروك يا ضياء.. ألف مبروك يا ابني.."

هتف والد ضياء بهذه العبارة في سعادة..و هو يهنئ ابنه الشاب بأن أول يوم لتدريبه كمهندس في مصنع السيارات سيكون غداً.. و هذا التدريب سيكون تمهيداً لتعيينه بالمصنع..

أطلقت الوالدة زغرودة مُجلجلة و قالت في فرح:

" ألف مبروك يا باش مهندس.. أنت تستاهل كل خير علشان أنت طيب.."

انتبهت حواس ضياء للكلمة الأخيرة التي سمعها كثيراً طوال حياته حتى ملّ منها..و واصلت الأم حديثها قائلة:

" عقبال ما تبقي صاحب المصنع كله.."

ضحك الجميع في سعادة إلا أن ضياء شعر بشئ غامض حيال المستقبل..و ترددت الكلمة في أعماقه.. كلمة..

طيب..

" اتفضل يا باش مهندس.. أنت نورتنا.."

نطق المهندس سالم رئيس قسم الطلاء بهذه العبارة في ترحاب حقيقي ابتهج له قلب ضياء.. و ما إن جلس حتى أتي " فوّاز" كبير العمّال..و قال في تهكم:

"هو أنت اللي جاي تتدرب هنا!! .. صدقني.. اصغر عامل يفهم أضعاف اللي أنت درسته في الهندسة.."

احمر وجه ضياء خجلاً كعادته..و قال المهندس سالم في صرامة:

" من فضلك خلي بالك من القسم يا فوّاز.."

ابتسم فوّاز في تهكم و انصرف.. و قال المهندس سالم:

"أنا آسف يا باش مهندس.. هو كبير العمال هنا.. و كلمته مسموعة وسط العمال..تعال نتفرج علي القسم..و عموماً..أنت شكلك طيب.."

نهض الاثنان.. و عادت الكلمة تدوي في أعماق ضياء.. كلمة..

طيب..

كانت الأيام الأولي لتدريب ضياء في منتهي القسوة.. كان فوّاز يتعمد إحراجه باستمرار أمام العمال.. و كان المهندس سالم سلبياً إزاء شكاوى ضياء..نعم.. إن فوّاز ماهر في عمله.. و لكنه لا يمتلك علم ضياء و لا عمقه الناتج من دراسته..كانت كلمة " طيب " صنماً أمام ضياء يريد تكسيره..انه يعلم أن الطيب يختلف عن الضعيف و عن الساذج..إن الطيب هو العطوف .. المُحب..و لكن الكل يفهمها خطأ بمعني الضعيف.. إن ربنا قال:

" كونوا حكماء كالحيات.. بسطاء كالحمام.."

شعر ضياء بصراع في داخله.. ماذا يفعل مع فوّاز؟ لم يجد ضياء حلاً إلا أن يصلي..و صلي طويلاً.. و شعر بارتياح بعد صلاته.. و وجد يده تمتد إلي احدي كُتب قداسة البابا شنودة الثالث.. كان هدية من شقيقه "عماد" خادم الكنيسة.. عماد.. الشقيق الأكبر.. المثل الاعلي..كان قداسة البابا يتحدث عن تكامل الفضائل.. و إن الوداعة لا تلغي الحزم..و إن الاتضاع يكون في حكمة..و إن الشخصية الحسنة هي الشخصية المتكاملة مثل إلهنا الصالح يسوع المسيح الوديع المتواضع الطيب..و أيضا القوي الحازم العادل..كلٌ في وقته..ترك ضياء الكتاب و صلي ثانية.. و نام..

نام في ارتياح بالغ..

ذهب ضياء إلي عمله.. و طلب مجموعة من أدوات القياس..فأتي فوّاز بابتسامته المقيتة قائلاً:

" هتعمل بيها ايه؟!.. هتقيس المصنع؟!!.."

ضحك العمال في سخرية.. أجاب ضياء في ثبات لم يعلم مصدره:

"لا يا أخ فوّاز.. أنا ها قيس زوايا العربية.."

بدأ ضياء يمارس عمله في مهارة واضحة..و صعدت همهمات غاضبة من العمال..ثم نهض ضياء قائلاً:

" هنا فيه نقص 3 مللي عن التصميم.."

أشاح احد العمال بيده غاضباً..و قال أخر بنبرة عالية:

" و ايه يعني؟.. ده مش هيأثر في أي حاجة.."

صاح ضياء لأول مرة في حياته:

" اللحام مش هيكون دقيق.."

صمت الجميع لثوان و قال فوّاز و هو يتقدم نحو ضياء في غضب:

" ده مش إشكال.. الطلاء هيغطي عليه.."

قال ضياء بلهجة صارمة:

" ده خطأ فني.. و لو ماتصلحش .. أنا هاعرف شُغلي ويّاكم.."

تكهرب الجو.. و صمت الجميع في دهشة من المفاجأة..و قال فوّاز في لين:

" خلاص يا باش مهندس.. تحت أمرك.. ياللا يا رجالة بسرعة.."

و تحرك الجميع و هم يستمعون إلي تعليمات ضياء.. الذي بدأ يتعامل مع المجتمع بقلب جديد تماماً..

قلب حكيم..

قلب طيب..