http://www.slideshare.net/sawwaf/16-8883202
" يا لها من مهمة ثقيلة.."
تمتمتُ بهذه العبارة و أنا استعد لمغادرة القطار بعد وصوله إلي محطة الوصول..حملت معطفي و حقيبة أوراقي .. و اتجهت في خطوات بدت ثابتة إلي صديقي المهندس ناجي الذي ذُكر في العدد الثالث عشر من سلسلة النور الحقيقي .. ذهبت إليه في منزله بناء علي موعد سابق..حيث استقبلني بابتسامته الصافية التي أراحتني..و قال في ترحاب:
" حمداً لله علي السلامة.."
أجبته بسرعة:
" ازيك يا ناجي؟.."
أغلق الباب و هو يجيب:
" الحمد لله.. تمام.."
دخلنا إلي حجرة مكتبه.. حيث الكمبيوتر و لوحاته الملونة..و جلست في مقعد مريح..و تركتُ حقيبتي بعيداً..و كأنني أحاول أن أتخلص من الموقف كله..سألني في ذكاء:
" هي دي الشنطة؟.."
أجبته في إرهاق:
" ايوة.."
ضحك ضحكته الصافية قائلاً:
" ممكن افتحها؟.."
أومأتُ برأسي مجاوباً..إلا انه أعطاها لي.. و فتحتها له..ظهرت الأعداد الخمسة عشرة من مجلة النور الحقيقي.. أخرجها ناجي في اهتمام و تصفحها بسرعة و دقة..و سألني دون أن يرفع عينيه:
"انتم عايزين تنهوا الخدمة دي ليه؟!.."
أطلقت تنهيدة من قلبي و أنا أتذكر التسع سنوات التي عشناها مع هذه المجلة..البداية.. الاسم الأول..المشاكل.. كثرة المشاغل..أشياء كثيرة ازدحمت بها رأسي..أفقت علي ضحكة ناجي الصافية وقوله:
"هييييه.. أنت رحت فين؟!.."
قلت له بصوت هامس:
" أنت عارف إننا محتارين ازاي ننهي الخدمة بطريقة يفتكرها كل الناس..يعني طريقة كويسة..ياتري نعمل حفلة؟.. ولا نكتفي بكلمة شكر في لوحة الإعلانات..ولا ايه.."
قال ناجي في جدية:
" اللي يحلها هو الكمبيوتر.."
قلت بسرعة:
" فليكن.."
ذهب المهندس ناجي إلي الكمبيوتر و داعب أزراره لبعض الوقت عارضاً عليه الأمر..ثم صمت بُرهة في انتظار الرد..توقعت أن يكون الأمر سهلاً..إلا أن الكمبيوتر طلب كل موضوعات المجلة ليحللها ثم يقول رأيه في كيفية إنهاء الخدمة بها.. كنتُ مستعداً..كان معي C.D به كل موضوعات المجلة.. بنفس الخطوط التي صدرت بها..الاغلفة.. سُمك الورق..نوع الطباعة..الأحبار.. الخدام و الخادمات الذين شاركوا فيها ..تم تحميل المعلومات إلي ذاكرة الكمبيوتر..و انتظرنا في لهفة الرد النهائي..
كنت أتوقع أن يقول:" حفلة مع ورقة شكر في لوحة الإعلانات.."
إلا أن الوقت طال..ثم ظهرت اخيراً علي شاشته عبارة تقول:
" يمكنك متابعة هذه المَشاهد.."
و بدأت بعض الأمور تظهر علي الشاشة.. أشياء عجيبة لم أتوقع رؤيتها علي الإطلاق..لم أتوقعها ابداً..
بدأت بعض الأسماء تظهر علي الشاشة لبعض الشخصيات القصصية التي ذُكرت في المجلة..و بدأ الكمبيوتر في رسمها بالشكل الذي وُضعت به علي صفحات المجلة.. أو بالشكل الذي رُسمت به..و اجتمعت هذه الشخصيات للوصول إلي الحل النهائي!! .. و دار بينها حوار عجيب..
ذُهلت أثناء رؤيتي لما يحدث علي الكمبيوتر.. قال ناجي في ثقة:
" ده جهاز متقدم.. و البرنامج ده رائع جداً..و إن شاء الله توصل للي بتدور عليه.. تعال نشوف اللي بيحصل بين شخصيات قصصك اللي في مجلتكم.."
" و في هذا الاجتماع نحاول الوصول إلي حل للموضوع الذي ذكرته لكم.."
صمت الجميع بعد عبارة قائد المركبة الفضائية شهاب السماء { العدد الثاني } و اخذ الجميع يفكر..و قال الصديق صاحب الزمردة الأرجوانية { العدد الخامس } :
" يمكننا أن نترك الرأي في هذا الموضوع للزمردة الأرجوانية.."
قال المذيع { العدد الرابع}:
" عفواً.. نعم.. و لم لا؟!.."
ضحك الجميع لأسلوبه الفكاهي الذي اشتهر به..و قال سائق النقل المتجه إلي مزرعة الناي { العدد السادس }:
" لا يُمكن.. لان الزمردة الأرجوانية هي أمر خيالي.."
قال المذيع ثانية:
" عفواً.. السنا جميعاً أمر خيالي؟!.."
ضحك الجميع و قال البستاني { العدد السابع } للسائق:
" أين صديقك الصغير الذي كان في الصف الثاني الإعدادي؟.."
أشار السائق في سعادة إلي شاب و قال:
" لقد ذُكر في الرسالة السرمدية عندما كان في الصف الثالث الثانوي { العدد الثالث عشر }.."
قال مارد في آلية { العدد الثاني }:
" العودة.. إلي.. الموضوع.. العودة.. إلي.. الموضوع.."
قال الراهب في قصة البطل { العدد الرابع عشر }:
" نحن نعلم كم تعب هؤلاء الخدام علي مدي تسع سنوات..تغيرت فيها أجيال و أجيال.. و يريدون ترك ذكري حسنة في نهاية خدمتهم.. لذلك اقترح أن يقوموا بكتابة.."
قاطعه الصحفي يوسف بن أُون { العدد الرابع عشر } في رسالة السنهدريم قائلاً:
"إنني أوافق علي رأي أبونا بأن يقوموا بكتابة لوحة شُكر.. و يشكرون الله علي بركته المقدسة بهذه الخدمة.. و معونته التي أعطاها لهم.. و قدرتهم علي الصمود و الاستمرار بهذه الفترة.."
قال الراهب:
" عفواً.. إن هذا ليس رأيي.."
هتف المذيع متعجباً:
" إن عفواً هي كلمتي!!.."
ضحك الجميع.. و هتف الخروف في نجم المذود { العدد الثالث }:
" ماء.. ماء.. ماء.."
و قال العم باتشو البلياتشو { العدد الخامس عشر }:
" لقد عاني هؤلاء الخدام كثيراً.."
قال البستاني:
" و اخذوا بركة الخدمة من كنيسة مار جرجس في الثمانية أعداد الأولي.. و من كنيسة السيدة العذراء و مار يوحنا في الثمانية أعداد التالية.."
و هنا تعالي صوت:
" توووت.. توووت.."
كان صوت القطار { العدد الأول }
قال مارد:
" الكلمة.. الآن.. للأب.. الراهب.."
قال الراهب:
" إنني اقترح أن يقوم هؤلاء الخدام بإعداد و كتابة عدد ختامي.."
تصاعدت همهمات وهمسات..و استطرد أبونا:
" عدد أخير.. يوجهون منه رسالة شكر و حب و تقدير لكل من وقف معهم و قواهم .."
وقف الجميع و قال سائق التاكسي { العدد الخامس عشر }:
" أنا موافق.."
و ايّد ضياء { العدد الخامس عشر } هذه الموافقة..و رفع الجميع أياديهم بالموافقة.. و صاح القطار توووت و هتف الخروف ماااء و ظهرت شاشة الكمبيوتر قائلة:
" الاقتراح هو إصدار عدد ختامي.. شكراً"
قال ناجي:
" ما رأيك؟.."
قلت في ذهول:
" رأي عبقري..عدد ختامي.. يا الهي.. حاجة جديدة جداً.. و نهاية اكتر من هايلة للخدمة.."
قال ناجي باسماً:
" مبروك.. و ربنا معاكم.."
قلت:
" شكرا يا ناجي.."
حملت معطفي و الحقيبة التي بها المجلة.. ذهبت إلي محطة القطار.. كنت أفكر في رأي الكمبيوتر و كيفية تنفيذه طيلة الرحلة..هاجمتني الذكريات..و طفرت دمعة من عيني..إنها تسع سنوات.. أمر ليس هيّن..
لكنه حُكم الزمن..يا لها من ذكريات..ذكريات رائعة..شكراً يا الهي.. رفعت عينيّ و أبصرت اللافتة علي المحطة.. كانت تعلن أنها المحطة..
المحطة الأخيرة..