Monday, September 30, 2013

المشير اسماعيل


أخبار

المشير أحمد إسماعيل يكشف خلافات «الرئيس والمشير».. ورغبة «عامر» فى الإطاحة به خارج الجيش

«الوطن » تواصل نشر مذكرات «مشير النصر» .. «الحلقة الثانية»كتب : سماح حسنمنذ 46 دقيقةجمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيمجمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم
تواصل «الوطن» انفراداتها، وتعيد رصد وتسجيل تاريخ حرب أكتوبر 1973، وفى الحلقة الثانية من مذكرات المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية فى حرب أكتوبر، يروى القائد العسكرى الفذ كواليس المحاولات المستميتة من جانب المشير عبدالحكيم عامر للإطاحة به خارج القوات المسلحة بأى ثمن. «عامر» اعتمد فى ذلك على إغرائه بالمناصب المدنية ذات العائد المادى الكبير، خاصة أن المشير إسماعيل كان فى ذلك الوقت يعانى أزمة مادية طاحنة، غير أنه رفض ترك العسكرية التى يرى نفسها واحداً من رجالها المخلصين الذين يمكنهم خدمة الوطن -فى محنته الكبرى- من خلال موقعه «على جبهة القتال». أيضاً يكشف المشير أحمد إسماعيل أسرار علاقته المتوترة بالفريق محمد فوزى حينما كان الأخير وزيراً للدفاع، بينما كان يتولى هو رئاسة الأركان، وهى العلاقة التى انتهت بالإطاحة به من منصبه وإحالته للتقاعد، رغم أنه كان المرشح الأول لخلافة وزير الدفاع فى منصبه.. وإلى نص الحلقة الثانية من «مشير النصر»:
أقيم حفل زواج ابنتى فى نوفمبر 1966 بنادى القوات المسلحة بالزمالك وقد شرفنى الرئيس جمال عبدالناصر بالحضور ومعه كبار رجال الدولة فى ذلك الوقت، ورغم أن الرئيس كان فى هذا اليوم موجوداً بمجلس الأمة مع الرئيس الجزائرى بن بلا، وكان كما ذكر لى يعانى ارتفاعاً فى درجة الحرارة، فإنه رأى تكريمى بحضوره عقد القِران وشهد على العقد وحضر جزءاً من الحفل ثم غادر ومعه المشير عبدالحكيم عامر بعد حوالى ساعة تاركاً السيد أنور السادات والأخ زكريا محيى الدين حتى نهاية الحفل.
«عامر وشمس» عزما على الإطاحة بى منذ أن حضر الرئيس حفل زواج ابنتى لأنهما اعتقدا أن هناك علاقة مستترة بينى وبين «ناصر»
كانت مفاجأة للجميع من أول المشير حتى قادة القوات المسلحة أن يحضر الرئيس هذا الحفل علماً بأن الرئيس كان دفعتى فى الكلية الحربية وزميلى كضابط فى «منقباد» كما كنا مدرسين زميلين فى كلية أركان الحرب وقت قيام الثورة وكلفنى بالرقابة على الصحف فى أحلك أيام الثورة وهو الأسبوع الأول منها.
وقتها بدأ شمس بدران والمشير عبدالحكيم عامر يشعران أن هناك علاقة مستترة بينى وبين الرئيس ناصر ولكن، أقسم بالله، لم أطلب من الرئيس من أول يوم فى الثورة حتى ذلك الوقت أى طلب خاص أو عام ولم يكن هناك بيننا سوى صداقة بريئة ومحبة متبادلة ولم أكن أعلم بالخلافات التى كانت قائمة بين المشير والرئيس خلال الفترة بين عامى 1962 و1965، وعلى الرغم من ذلك كانت هناك نية مبيتة للتخلص منى وإبعادى عن القوات المسلحة. فى إحدى زيارات الرئيس ناصر إلى الجبهة، وكنا فى سيارة «جيب واجن» نتنقل بين المواقع، جلس الفريق فوزى إلى جواره وأنا إلى جوار السائق. وقال لى: إن زكريا محيى الدين يعتقد أن الحالة ميئوس منها ويجب أن نغير الاتجاه تماماً؛ فالحالة السياسية والعسكرية والاقتصادية لا أمل فى إصلاحها، على عكس ما كان الرئيس يرى. وأوضح أن هذا كان محور اختلاف الرأى بينهما، لذلك قبل استقالته.
جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم
أذكر أن الرئيس خلال هذه الزيارة حدثنى أيضاً عن المشير عبدالحكيم عامر. وسألته «ألم تكن تعلم أن المشير تزوج من برلنتى عبدالحميد؟» فأجابنى: علمت ذلك فى عام 1965 حيث إن البندارى أخبر هيكل بأن هناك شائعات قوية تفيد أن المشير متزوج منها وأنها حامل فى شهرها السادس، فطلبت المشير وحضر إلىّ وكان هناك خلاف على السلطة ومراكز القوى فى ذلك الوقت، فسألته عن حقيقة ما يتردد فقال إنه بالفعل تزوجها وإن هذه أمور شخصية يعفينى من التحدث فيها، فقلت له «وسُمْعتك يا عبدالحكيم وأولادك؟»، فقال إن هذا شأنه الخاص وإنه مستعد لتقديم استقالته إذا كنت أنا أرى أن هذا به مساس بالحكم. وكانت هناك أزمات وانقسامات فى القوات المسلحة وخوف من قيام حرب أهلية، تغاضيت عن ذلك واستمر عبدالحكيم فى منصبه. وقد كنت فعلاً أشك فى ذلك لأننى كنت أحياناً أطلبه فى التليفون فيقال لى إنه يتمشى فى الحديقة فى عز الشتاء وفى منتصف الليل، وبعد قليل يطلبنى هو فأعلم أنه لم يكن فى المنزل طبعاً ولا الحديقة.
فى إحدى ليالى رمضان كنا فى حفل إفطار أقامته إدارة المدفعية، ودعت إليه ضباط المدفعية القدامى. وكان الوزير محمد فايق وزير الإرشاد القومى فى ذلك الوقت مدعوّا معنا. ونادانى وطلب منى أن أزوره فى مكتبه صباح اليوم التالى. ولما زرته أخبرنى أنه متعب فى وزارة الإرشاد ومسئولياتها كبيرة وتحتاج لأشخاص حاسمين يعاونونه فى العمل وعرض علىّ إدارة هيئة التليفزيون وهى وظيفة أعلى من منصب وكيل وزارة ومرتبها مُجزٍ فكان ردى: «وهل السيد الرئيس والمشير موافقان على ذلك»؟، فقال لى: «اترك لى ذلك فأنا كفيل بالحصول على التصديق المناسب».
«هيكل» أخبر «ناصر» بزواج «عامر» من برلنتى عبدالحميد.. والمشير قال للرئيس: «هذه أمور شخصية».. ومستعد لتقديم استقالتى
عندما عدت إلى منزلى، ظللت مشغولاً بالتفكير فى الأمر. كيف أترك وظيفتى العسكرية وأنتقل إلى العمل المدنى بعد هذه السنوات الطويلة التى قضيتها فى الخدمة، وكيف أضحى بالخبرة والعلم والفِرَق والدروس والقيادات، وأكثر ما كان يؤلمنى هو السؤال الصعب: هل بهذه السهولة يُستغنى عنى؟ وتذكرت ما حدث عندما صدر قرار فى السابق بتعيينى سفيراً لمصر لدى الكونغو، وقتها طلبنى المشير وقال لى: «نحن نعانى نقصاً فى الرجال وسوف تتولى قيادة فرقة». وكان ردى عليه «أنا مجند لخدمة القوات المسلحة»، وبالفعل تم إلغاء تعيينى سفيراً بالخارجية. وبعد تفكير طويل، قررت رفض العرض الذى نقله لى محمد فايق، وعرضت الموضوع على الفريق أول عبدالمحسن مرتجى الذى كان وقتها قائداً للقوات البرية، وكنت أعمل معه رئيساً لأركان القوات البرية. وكان على موعد مع المشير فقلت له: «بلِّغ السيد المشير بأننى لا أرغب فى تولى منصب التليفزيون». وعلمت بعد ذلك أنه أبلغ المشير بالفعل. وكان رد المشير ثميناً بالنسبة لى؛ حيث قال: «لا نترك الضباط الأكفاء إلا إذا كانوا هم يرغبون فى ذلك».
انتهى الموضوع على ذلك ومر شهران. وفى أحد أيام شهر يناير 1967 فوجئت باتصال من عبدالمحسن أبوالنور، وزير الزراعة، وأبلغنى أنه يرغب فى رؤيتى فى صباح اليوم التالى فى مكتبه بالوزارة، فتوجهت إليه وكانت دهشتى عظيمة إذ فوجئت به يعرض علىَّ منصباً كبيراً هو «رئيس مؤسسة تعمير الصحارى» براتب مرتفع يصل إلى 4000 جنيه سنويّا، ويعد هذا الرقم راتباً ضخماً بين موظفى الدولة فى ذلك الوقت. ودار بيننا حديث قصير بدأه بالقول: لقد اخترتك من بين ضباط القوات المسلحة للعمل معى فى قطاع الزراعة كرئيس لمؤسسة تعمير الصحارى.
وكان ردى: «أنا لا أملك فى نفسى شيئاً لأننى رجل عسكرى وأنفذ الأوامر.. وعموماً دعنى أفكر فى الموضوع».
لم يمض على هذا العرض أكثر من أسبوع، حتى فوجئت بأن شمس بدران يطلبنى، وكان وزير الحربية فى ذلك الوقت. وقال لى: «هل أبلغك عبدالمحسن أبوالنور بالمنصب الجديد؟ وما رأيك فى الأمر.. المشير يريد معرفة ردك». فقلت له: «لو إنت مكانى يا شمس وعرض عليك هذا العرض هل تقبل؟»، فقال لى «بدون تردد أقبل فأنا سأنفذ ما يأمر به الريس أو المشير».
وانصرفت وقابلنى فى الخارج اللواء عبدالحليم عبدالعال، وقصصت عليه ما دار فى مقابلتى مع شمس بدران، فكان تعليقه صريحاً دون مواربة حيث قال لى: «يبدو أنك غير مرغوب فى وجودك فى القوات المسلحة». فاجأنى كلامه، خاصة أننى لا أعرف سبب ما يحدث، ولا أعرف لماذا أصبح صناع القرار لا يرغبون فى أن أكون قائداً بالقوات المسلحة. لم يخطر على بالى أى تفسير، فأنا ضابط معلم وكنت أول دفعتى فى كلية أركان حرب، وفى الأكاديمية شغلت مناصب قيادية وكنت ناجحاً فى كل منها، والأهم من ذلك أن المشير نفسه فى عام 1960 لم يقبل أن أعمل سفيراً، فما هو التغيير الذى طرأ؟
مر أسبوع آخر على هذه المقابلة، واستدعانى المشير عامر إلى منزله بالجيزة فى الساعة الثانية عشرة ظهراً، وقابلنى فى غرفة مكتبه، وقال لى: «أنا مسئول عن قطاع الزراعة وتحملت هذه المسئولية ولى رغبة فى أن نتعاون فى ذلك فما رأيك؟»، فقلت له: «لن أبدى رأياً مهما طال الحديث بيننا بمعنى أننى لن أجيب بنعم أو لا فأنا مجند وأنت أدرى بقدرتى فى أى الميادين أصلح».
الشاذلي
لم يتوقف المشير عن محاولة إقناعى، وقال لى إنه سيمنحنى 4000 جنيه سنويّا وسيعطينى رتبة «الفريق»، فقلت له باستياء: «أنا مدين بحوالى 1500 جنيه لبنك الائتمان وفى حاجة شديدة لهذه المهيّة، ولكن المادة لا تمثل الأولوية فى حياتى»، فعرض علىَّ مشكوراً أن يسدد الدين نيابة عنى، لكننى شكرته وصممت وأقسمت على ألا يقوم بذلك، فاقترح علىَّ أن يقرضنى المبلغ من ماله الخاص، لكننى رفضت ذلك أيضاً، فقال: «سأقرضك من مال الدولة وتسدده وقتما تشاء»، ومجدداً رفضت العرض.
الخلاصة أننى فهمت من حديثه معى أن موضوع تعيينى فى المؤسسة محسوم، وقبل خروجى قلت له: «هل اطلعت سيادتكم على نتيجة الدراسة فى الأكاديمية؟»، فأجابنى «لا» فقلت له: «لقد كنت الأول فى الترتيب بعد دراسة سنة ونصف السنة فى العلوم العسكرية»، وتركته وخرجت.
فى اليوم التالى، فوجئت بأن جريدة الأهرام نشرت خبراً عن أن المشير قابلنى فى منزله، وأدركت على الفور أن هذا تمهيد للتعيين وإعلان الأمر على الرأى العام، حيث كانت التعيينات فى المؤسسات والشركات تصدر يوميّا فى الجرائد. وبعد أقل من شهر على هذه المقابلة وتحديداً فى 20 مايو، فوجئت بالهيئة العامة للقوات المسلحة تعلن قرار تعيينى رئيس أركان الجبهة مع الفريق أول عبدالمحسن مرتجى.
بنيت الجيش حتى استعاد قوته من جديد.. و«عبدالناصر» كان دائم الاتصال بى.. وكنت مرشحاً لمنصب الوزير ففوجئ الجميع بإحالتى للمعاش
لم أعرف الحقيقة إلا بعد أكثر من عام ونصف العام، ففى نوفمبر 67 حين كنت قائداً للجبهة قام الرئيس جمال عبدالناصر بزيارته الأولى للجبهة، بعد النكسة، وقال لى باسماً: «هل تفهم فى الزراعة؟»، فقلت له: «أبداً.. ولا حتى أعرف البرسيم من الذرة، ولم أكن مزارعاً ولا فلاحاً فى يوم من الأيام»، فقال الرئيس: «أمّال ليه كانوا عايزين يعينوك فى مؤسسة تعمير الصحارى.. وحياتك قرار تعيينك لسه عندى فى الدرج لغاية دلوقتى».
وشرح لى الرئيس الخلافات السابقة التى كانت بينه وبين المشير عبدالحكيم عامر، وهنا بدأت أعيد ترتيب الأحداث، وعلمت أن شمس بدران أدرك متأخراً العلاقة القوية بينى وبين الرئيس، والأكيد أنه كان يرى خطراً من تصعيدى خاصة أننى فى منصب كبير ولدىَّ من المؤهلات ما يجعل إبعادى عن القوات المسلحة أمراً مستحيلاً، إلا بإغرائى من خلال تعيينى فى منصب مدنى كبير، من هنا كانت المحاولات المتتالية. بصرف النظر عن هذه المؤامرات، كنت مشغولا منذ عودتى للخدمة فيما أطلقنا عليه «حرب الاستنزاف» التى لم تتوقف يوما. وفى يوليو 1969، بدأ العدو فى استخدام قواته الجوية بشراسة فى منطقة بورفؤاد ورأس الوزة «الشريط الممتد من القنطرة حتى بورسعيد»، وهى شريط عرضه لا يزيد على 800 متر، وطوله 30 كيلومتراً، ويقع الطريق على الشاطئ الشرقى لقناة السويس ثم طريق القناع ثم الترعة الحلوة ثم السكة الحديد، أى أنها منطقة مكدسة تحدها المياه شرقاً وغرباً خصوصاً فى فصل الشتاء.
توجهت إلى غرفة عمليات الدفاع الجوى، وكان على يمينى قائد الدفاع الجوى وعلى يسارى قائد القوات الجوية، وكانت قاذفات العدو المقاتلة وعدد كبير من المقاتلات على ارتفاعات مختلفة، فقررت إدخال طائراتنا لإذاقة العدو قسوة حرب الطيران، ووقتها لم نكن نجرؤ على هذه الخطوة؛ نظراً لحالة قواتنا الجوية وعدم استعدادها الكامل، فأصدرت الأوامر بتجهيز أهداف للقاذفات المقاتلة «سوخوى» على شاطئ القناة، وكانت محطات الرادار من ضمن تلك الأهداف. وقررت الضرب قبل الغروب مباشرة حتى إذا ما أراد العدو التدخل يكون الليل قد خيم على الجبهة ليفسد عليه محاولة الرد.
وبالفعل، وجهت قواتنا الجوية ضربات للعدو بحوالى 16 قاذفة مقاتلة فى تمام الساعة السادسة وقت الغروب. وعادت قواتنا سالمة عدا طائرة أصيبت فى أثناء عودتها. وكانت المفاجأة كاملة للعدو وكبدته خسائر جسيمة، وأذاعت وكالات الأنباء خبر تدخل قواتنا الجوية فى المعركة، وهللت له، حتى إننى فى اليوم التالى فوجئت بصورة للفريق فوزى ومعه قائدا القوات الجوية والدفاع الجوى، يتلقون التهنئة من الرئيس عبدالناصر على الشجاعة والخبرة والقدرة، وكأننى لم يكن لى أى دور فى تلك الضربات.
وبهذه المناسبة، يجب أن أشير إلى أننى حينما عرضت على الوزير اقتراح توجيه هذه الضربات، طلب منى أن أنتظر، ثم استأذن القيادة، وعاد ليعطينى التصديق وقال لى: «على مسئوليتك»، فقلت له: «نعم على مسئوليتى»، ونفذنا الضربات ووفقنا الله فيها، ومن يومها أصبح العدو يعمل لقواتنا الجوية ألف حساب.
ومن أبرز محطات حرب الاستنزاف، معركة الجزيرة الخضراء، وهى جزيرة صخرية صغيرة مساحتها 1 كيلومتر فى نصف كيلومتر تقريباً، أرضها صخرية تتوسط خليج السويس فيما بين بورتوفيق ورأس المسلة، وتبعد حوالى 3 كيلومترات عن الساحل الغربى و4 كيلومترات عن الساحل الشرقى، وهى جزيرة منعزلة تتحكم فى مدخل قناة السويس من الجنوب، كما أنها تتحكم فى السويس وبورتوفيق على الشاطئ الغربى، وتتحكم فى منطقة الشط وعيون موسى وراس مسلة على الشاطئ الشرقى. استخدمها البريطانيون أثناء الحرب العالمية الثانية كموقع للمدفعية المضادة للطائرات، واستخدمناها نحن أيضاً لنفس الغرض. وعندما كنت قائداً للجبهة كان هذا الموقع يشغلنى دائماً؛ لأنه منعزل تحيط به المياه من جميع الاتجاهات والاتصال به يتم بواسطة القوارب أو اللنشات. وقد أعيد تخطيطه تماماً ضد نيران المدفعية والطيران، وكان مفيداً دائماً، ويعتبر من النقاط الصعبة التى طالما أعطيتها اهتمامى، وأوصى القادة المحليين بالاعتناء به واليقظة له.
وفى ليلة 19 يوليو 1969، وكنت رئيس أركان القوات المسلحة تم إبلاغى بأن قوات العدو اقتربت من الجزيرة فتحركت فوراً إلى هيئة العمليات وفى غرفة العمليات سمعت تعليمات لقائد الجيش جاء فيها: احتل اليهود الجزيرة، وآخر إشارة وصلت أن حامل الجهاز يرى أمامه ضابطاً يعطى أوامره للجنود اليهود فى الجزيرة ويطالب بالنجدة.
لم تكن أمامنا وسيلة فى ليلة حالكة الظلام حيث لا يمكن تحريك لنشات ولا توجد قوات يمكن استخدامها، كما أن البحرية لم تكن جاهزة لمثل هذه العملية، فأمرت قائد الجيش بضرب الجزيرة وقصفها بنيران مركَّزة ثم الضرب على المياه حول الجزيرة وفعلاً تم ذلك، وأُخذ اليهود على غِرة حيث تناثرت شظايا المدفعية وأسرع العدو إلى قواته تلاحقه المدفعية، ثم أخذنا نضرب عليهم فى أثناء انسحابهم وهنا عاد الاتصال ثانية، وأخطرنا قائد الموقع بأن اليهود انسحبوا عائدين إلى الشاطئ الشرقى وكان الوقت فجراً.
تعتبر هذه المعركة ناجحة من نظرنا وفاشلة من وجهة نظر العدو، إلا أن العدو فى محاولة لرفع معنوياته أخذ يطنطن بأنها عملية غير جريئة أو شجاعة، ولكنه اعترف صراحة أن خسائره 9 قتلى و6 جرحى، وهى أعلى نسبة خسائر يعترف بها فى معركة، وفى تقديرى وتقدير الخبراء أنه تكبد ما لا يقل عن 40 بين قتيل وجريح.
واعترف موشيه ديان، وزير دفاع العدو، بقدرة قواتنا فى حرب الاستنزاف، بعد أن كبدنا جيشه خسائر فادحة حين كنت فى منصبى بالقوات المسلحة. وقال ديان فى كلمة ألقاها يوم 4 أغسطس 1969 خلال المؤتمر العام لحزب العمل الإسرائيلى (حزب الأغلبية):
«إننا نقف أمام حرب تحاول أن تنهك قوات سلاح المشاة، وتدمر التحصينات، وتصيب خطوط المواصلات الخاصة بنا، وتضمن سيطرة جوية مصرية حتى يتمكن المصريون من عبور القناة عندما يأتى اليوم المناسب لذلك، وهدف إسرائيل هو عبور هذا الصيف والحصول على نصر فى معركة تلو الأخرى حتى لا نصل إلى معركة حقيقية. وبلغ عدد إصاباتنا منذ حرب الأيام الستة على الجبهة المصرية 1365 مصاباً و323 شهيداً، ولكن ما يدعو للقلق أنه منذ شهر مارس ارتفع متوسط المصابين لدينا فى كل شهر، فقد كان هناك 65 مصاباً فى أبريل، ثم 74 فى مايو و91 فى يونيو و140 فى يوليو، وهذا رقم يفوق الضعف لأعداد الشهور الأكثر سخونة واشتباكات فى الماضى».
كانت هذه شهادة العدو فى فترة قيادتى وهى خير دليل وشاهد.
لقد حققت عمليات العبور للضفة الشرقية نتائج أجهدت العدو، ونجح رجال الصاعقة والمشاة وسلاح المهندسين فى اصطياد الدبابات والمدرعات الإسرائيلية، وزرع الألغام على طرق تحركات قوات العدو، وشيئاً فشيئاً تطورت العمليات الفدائية، وباتت تتم فى كل وقت من اليوم، ليلاً ونهاراً. فألحقت بالعدو خسائر يومية فى العتاد والأفراد.
وفى أغسطس 1969، انعقد مؤتمر قمة لدول المواجهة، واختير الفريق أول محمد فوزى ضمن وفد مصر، وتم تجاهلى، على الرغم من أن رؤساء أركان بقية الدول بل إن مديرى العمليات أيضاً وُجدوا مع الوفود، وكان المؤتمر على جانب كبير من الأهمية؛ لأنه كان يهدف إلى إزالة العقبات والتخطيط للمستقبل.
وفى أول أيام المؤتمر، كنا فى دعوة على العشاء فى قصر القبة حيث نُجْرى المباحثات، وخرجت الوفود والتقيت عدداً منهم، وكثير منهم كان يتساءل عن سبب غيابى، وتحدثوا عن بعض ما دار فى الجلسة الأولى، وقال أحدهم صراحة: «كيف تغيب وتسمع أخبار المؤتمر من الخارج؟»، والأغرب من ذلك أن الفريق أول محمد فوزى طلب منى أن أجهز ما يطلب المؤتمر لليوم التالى، وفعلت ذلك دون علمى بتفصيلات ما دار.
وقتها لم أكن أعرف هوية المسئول الذى يتولى تحديد أعضاء الوفود فى مثل هذه الظروف. وقابلت الوزير فوزى وقلت له: إننى أشعر بحرج كبير؛ لأن نظرائى رؤساء أركان الدول الأخرى أعضاء فى وفود دولهم، بل وصل الأمر إلى حضور بعض «المقدمين» فكيف لا أمثل بلدى فى هذا المؤتمر ضمن الوفد، فكانت إجابته:
- هذا خطأ لقد دخل الضباط خطأ، وكان يجب منعهم واضطررنا إلى إحضار كراسى إضافية، ولم يكن هذا ضمن الترتيبات.
- إذن كان هؤلاء الضباط زيادة.. لكن رؤساء الأركان أعضاء أصليون فى الوفود.
- أنا لا أعرف كيف تم ذلك.
- أنا النائب الأول لك، ويجب أن أعلم كل ما تعلمه، حتى أستطيع أن أحل محلك فى غيابك، وحتى يمكننى إعطاؤك المشورة المخلصة. لقد لاحظ معظم القوات المسلحة عدم تعيينى فى الوفد وكان موضع تعليق لهم..
ولكنه لم يعلق، وآثرت الصمت، ولكننى استشعرت شيئاً غير عادى. فقد كنت أدرك أن الفريق فوزى لا يطيق وجودى بجواره.
فى عصر يوم 12 سبتمبر 1969، قرر الوزير أن يفتتح مركز القيادة الميدانى للقيادة العامة للقوات المسلحة (10)، وهو مركز لا يُفتح إلا فى حالة العمليات أو المناورات، فتوجهت إلى مقر العمليات وتوليت قيادتها، وسبقنى هو إلى مبنى القيادة العامة بمدينة نصر وهو وضع غير عادى.
وفى ذلك اليوم أدرنا العمل بشكل جيد، حيث أسقطنا 3 طائرات للعدو، إضافة إلى أَسْر طيار إسرائيلى للمرة الأولى. وكانت فرحة كبيرة لا تُقدر بثمن؛ لأننا سنتمكن من الحصول على معلومات عن القوات الجوية الإسرائيلية التى قامت بالدعاية لنفسها حتى أصبحت خرافة، ولا أنكر مطلقاً أن قوات العدو الجوية على درجة كبيرة من الكفاءة والقدرة، إضافة إلى أن طياريها ممتازون بمعنى الكلمة.
ولن أنسب لنفسى دور البطولة، لكن من المهم التنويه بكل تواضع بأنه كان لى شرف النجاح فى الحصول على الكثير من أسرى ومعدات القوات المسلحة الإسرائيلية، ففى معارك يونيو 67 -ورغم أن الهزيمة كانت تخيم على صدورنا- نجحنا فى الحصول على بعض معدات وأسلحة العدو خاصة فى معركة رأس العش. وفى يوليو 67 وأثناء معركة «لانشات العبور» بالقرب من بورتوفيق نجحنا فى أسر ضباط بحريين، وأمرت بالقبض عليهم من وسط الماء وإرسالهم للقاهرة فوراً، كما تمكنت دورية تابعة للجيش الثالث من اعتقال أسير تابع لقوات العدو البرية. ونجحت القوات الجوية فى أسر اثنين من الطيارين اللذين سقطا فى أيدينا فى سبتمبر 69 وهو نفس شهر إحالتى للتقاعد.
فى تلك الفترة، زاد العدو من ضرب طيرانه على شاطئ البحر الأحمر حتى أصبحت الغارات بشكل يومى بعد عملية الزعفرانة. وفى يوم 12 سبتمبر، طلبنى الوزير فى التليفون وكان فى مكتبه بمدينة نصر، بينما كنت أنا فى القيادة الميدانية، ودار بيننا الحديث الآتى:
- هل ضرب العدو الزعفرانة مرة ثانية صباح اليوم؟
- نعم.
- ولماذا لم تبلغنى؟
- لسببين، الأول أن مدير المخابرات يبلغكم أولاً بأول، وثانياً لأن المفروض أن توجد سيادتكم معنا هنا.
وكنت أقصد بذلك استفزاز الوزير لمعرفة ما يدور فى الخفاء، وسبب قراره بإبعادى عن القيادة، خاصة أننى كنت أشعر أن هناك حركات مريبة تجرى فى القيادة، وصدق ظنى. وتابع الوزير كلامه:
- طيب تعالَ لى المكتب أنا عايزك.
وهنا علمت تماماً من تجربتى السابقة ما سيسفر عنه الأمر، فذهبت إليه ودار الحديث الآتى:
- لقد قرر رئيس الجمهورية تنحيتك عن وظيفتك.
- هذا الخبر ليس مفاجأة لى فقد كنت أتوقعه منذ عشرين يوماً.
- لماذا؟
- من معاملتك لى.. وهذا يحتاج إلى شرح.
- لا بد أن تنحيتك لأسباب عامة وليست لأسباب خاصة.
- لا أحد دائماً فى مركزه وسيأتى اليوم الذى ينهى كل منا عمله.
- نعم. هو هذا.
- أتمنى للوطن وللقوات المسلحة النصر ومعركة النصر آتية، وستجدنى مستعدّا للعمل فى أى وقت وأى وظيفة حتى لو كانت قائد رأس العش.
- أتمنى لك التوفيق.
- اسمح لى أن أودع زملائى بالوزارة.
- لا داعى.. يُستحسن ألا يتم هذا.
- المسألة ليست سرية وستُنشر بالجرائد غداً.
- لا لن تُنشر غداً سننشرها فى الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.
طلب لى كوباً من الليمون ورفضت أن أشربه وقلت له: «سأشربه فى منزلك يوم النصر إن شاء الله». وذهبت إلى سكرتيرى وطلبت منه أن يرسل لى أوراقى الخاصة إلى منزلى. وذهبت إلى المنزل وأمرت الحرس وكشك الحراسة بالعودة إلى القيادة.
وفى أحد لقاءات السيد أنور السادات بمؤتمر الاتحاد الاشتراكى فى القاهرة، سُئل عن سبب خروج رئيس الأركان اللواء أحمد إسماعيل من الخدمة فأجاب: اللواء أحمد إسماعيل رئيس أركان حرب القوات المسلحة قام بتحريك قوات فى البحر الأحمر للتدريب، أكرر وأقول للتدريب، دون علم الوزير الفريق أول فوزى.
ويعلم الله أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة فأنا لم أحرك ولم أعرف أن قوات تحركت إلا فى مساء يوم الاعتداء بعد أن تم. وكان المسئول عن التدريب الفريق صلاح محسن، ولم تكن هناك قوات فى الزعفرانة نفسها بل كانت فى رأس غارب وبعد أن تم الاعتداء أخبرنى اللواء عباس عوض الله أن قائد المنطقة هو الذى حرك القوات ويبدو أن «العمليات» وافقت له دون علمى. ولكن يبدو أن السيد الوزير أخطر سيادة الرئيس أننى حركت القوات دون علمه وهذا ظلم وافتراء، وكان يجب أن يتحرى الدقة فى الإبلاغ إلا إذا كانت مقصودة.
وطوال سنوات عملى فى القوات المسلحة لم يخطر ببالى، أبداً، أنه سيأتى اليوم الذى أُحال فيه إلى التقاعد دون معرفة السبب، ودون أن أرتكب فعلاً شائناً يستوجب إبعادى بهذه الطريقة غير اللائقة.
لم أستطع إخفاء حزنى، وحاولت قدر جهدى توضيح الموقف لأسرتى الصغيرة، لكننى بالطبع لم أستطع توضيح الأمر لزملائى أو معارفى، ولم يكن أمامى سوى اختيار العزلة المؤقتة، تفرغت خلالها للقراءة والكتابة فقط.
تدرجت فى جميع مراحل السلم الوظيفى كما خضت حروباً كثيرة ومعارك حربية صغيرة وكبيرة ولم أكن أبداً قلقاً أو خائفاً، وتوليت رئاسة أركان حرب الجيش فى 1969 وبعدها بستة أشهر فقط خرجت من الجيش. وكانت فترة إحالتى إلى المعاش لمدة عام ونصف العام فى المنزل، لم أرد على أى تليفون من زملائى فى الجيش أو خارجه خوفاً عليهم من أن يعاقَبوا أو أن أتسبب فى ضرر لأى شخص منهم، وجاء إلى منزلى بعد إحالتى للتقاعد أصدقاء رفضت مقابلتهم خوفاً على مصلحتهم.
كنت أشعر بحالة لا توصف من الظلم والحزن، وعلى النقيض من ذلك كان أبنائى وكل الموجودين حولى يتوقعون أن المحنة ستنتهى، بل إنهم زادوا فى توقعاتهم بأننى سأصبح وزيراً، خاصة محمد، ابنى الأكبر، الذى كان يردد لى دائماً أن دورى لم ينته بعد، ولأننى كنت واقعيّا كنت أحطم تلك الآمال التى لا يمل منها، وكنت أؤكد له دائماً أن دورى انتهى بإحالتى إلى المعاش.
كان محمد يقول لى: إن توقعاته ليست مجرد إحساس فقط، ويذكرنى بأننى فى عام 1967 كنت قائد الجبهة فى مواجهة العدو تماماً، وكنت حسب التسلسل القيادى قائد الجيشين، تأتينى المعلومات مباشرة من كوبرى القبة ومن الوزير أو رئيس هيئة العمليات، بمعنى أننى كنت القائد فى الجبهة الشرقية، وبنيت الجيش حتى استعاد قوته من جديد، كما كان جمال عبدالناصر دائم الاتصال بى لمعرفة أحدث التطورات ولم يكن بجانبى سوى الفريق عبدالمنعم رياض وبعد وفاته توليت رئاسة الأركان، وكنت مرشـحاً لمنصب الوزير حتى فوجئ الجميع بإحالتى إلى المعاش.
عشت الأيام الأولى بعد إحالتى إلى التقاعد بشكل روتينى، مفضلاً العزلة. وكنت أقضى يومى بين غرفَتَيْ النوم والمكتب التى كنت أستغرق فيها أوقاتاً طويلة. وقررت بعد الشهر الأول من إحالتى إلى المعاش أن أكتب مقالات صحفية وأنشرها فى جريدة الأهرام، وهو الأمر الذى شجعنى عليه أبنائى وزوجتى. وبالفعل بدأت فى كتابة مقالى الأول وكان بعنوان «الحدود الآمنة»، حاولت فيه عرض كيفية تفكير إسرائيل فى قناة السويس، حيث تعتبر أنها من الحدود الآمنة بالنسبة لها، لذلك فكرت فى السيناريوهات الممكنة لاختراق الحدود الآمنة، ومنها مثلاً «إغلاق خليج العقبة» ليصبح خليج السويس غير ذى قيمة؛ وبالتالى لو اخترقت مصر قناة السويس وخط بارليف وأخذنا جزءاً من الضفة الشرقية، سنكون قد كسرنا الحدود الآمنة التى يحتمون فيها؛ وبالتالى يصبح الجندى المصرى فى مواجهة مع الجندى الإسرائيلى وجهاً لوجه.
وبعد انتهائى من كتابة المقال، وجدت أنها فكرة عسكرية ولا يجوز أن تُنشر لكننى رأيت كتابتها بالتفاصيل وتبييضها بخط أفضل. وفى البداية كنت أعتزم إرسال هذه الخطة العسكرية إلى الرئيس جمال عبدالناصر لكننى ترددت خوفاً من أن يقال إننى وضعت تلك الخطة كمحاولة لإعادتى إلى القوات المسلحة مرة ثانية، كما خشيت أن تُنفذ هذه الخطة بطريقة تختلف عن تصوراتى.
وكان الخطاب الذى كتبته لإرساله إلى الرئيس جمال عبدالناصر عبارة عن خمس أوراق من الفلوسكاب القديم. وكان نص الورقة الأولى كالتالى:
«السيد الرئيس جمال عبدالناصر..
احترامى وتحياتى
هذه مجموعة أفكار وردت على خاطرى من خلال تتبعى للموقف من الجرائد والإذاعات، أردت أن أضعها بين يدى سيادتكم للتكرم بالاطلاع عليها لعلها تكون ذات قيمة فى ظروفنا الحالية. وإننى دائماً وفى كل الظروف المخلص لشخصكم المؤمن بمبادئكم ووطنيتكم داعياً لسيادتكم دائماً بالنصر والتوفيق.
ووقعت باسمى فى آخر الصفحة ثم بدأت صفحة جديدة كتبت فيها خطتى، على النحو التالى:
«مذكرة مختصرة عن فكرة عملية محدودة»
«مقدمة»
إن موقفنا الحالى مع استمرار العدو فى استخدام قواته الجوية يوميّا تقريبا سيؤثر بالضرورة على معنويات القوات المسلحة والشعب تدريجيّا، وقد يستمر ذلك لفترات طويلة نتلقى فيها ضربات العدو الجوية دون أن نتمكن من الرد عليه بنفس القوة وتكبيده الخسائر المناسبة.
إذن لا بد أن نتحرك ونبحث عن موقف آخر يتناسب مع إمكاناتنا وقدراتنا للرد عليه، وأن تكون تحركاتنا محسوبة وتتناسب مع قدراتنا، ولا تختلف كثيراً فى تأثيرها علينا عن موقفنا الحالى، بل إنها تحسن موقف قواتنا فى الجبهة وتسمح لها بالعمل بجدية أكبر وباستخدام أسلحتنا التى تتفوق على العدو وهى المدفعية والقوات الخاصة باستخدامها على نطاق أوسع من استخدامها الحالى.
ومع ذلك أرى تحليل الموقف كالآتى:
أهداف إسرائيل:
إن هدف إسرائيل حاليّا هو الضغط على «جمهورية مصر العربية» باستخدام سلاحها الذى يمكنها من التفوق وهو قوتها الجوية كذراع ممتدة تقصف بها فى أماكن متفرقة وفى توقيتات مختلفة كنوع من الحرب الوقائية، كما أنها تنفذ عمليات مشتركة جوية برية بحرية، أحياناً، ضد أهداف متعددة يصعب حصرها بغرض التأثير النفسى والدعاية للإيحاء أمام العالم بأن إسرائيل لا تزال وستظل متفوقة علينا. باختصار يهدف العدو من هذه الاعتداءات إلى فرض الواقع الآتى:
1 - أن يفقد الشعب ثقته فى قيادته وقواته المسلحة.
2 - أن تفقد القوات المسلحة ثقتها فى نفسها وقدراتها.
3 - تأخير الجدول الزمنى للهجوم نتيجة لإيقاف التدريب وخاصة بالنسبة للقوات الجوية والبرية؛ وذلك بضرب الأهداف العسكرية ووضع القوات تحت تهديد الغارات الجوية باستمرار، وكذا اضطرارنا إلى حماية جميع الأهداف فى الجمهورية؛ وبذلك تتشتت قواتنا المسلحة.
4 - محاولة استدراج قواتنا الجوية إلى معارك غير متكافئة؛ وبذلك تكبدها خسائر كبيرة تمنعها من متابعة التقدم.
5 - إرغام القيادة السياسية على قبول حل سلمى غير عادل وعلى ذلك ينتظر أن يستمر العدو فى محاولاته هذه مع اختيار أنسب الأهداف التى تحقق له أغراضه بقصف وسائل الدفاع الجوى ثم المدفعيات ثم الدبابات مع زيادة التصعيد تدريجيّا واحتفاظه بزمام المبادرة.
قواتنا
إن موقف قواتنا الحالى رغم تقدمه المطرد من ناحية التفوق الجوى والتدريب والتسليح لا يسمح ولفترة مقبلة بتنفيذ هجوم شامل لتحرير جميع الأراضى المحتلة كما أن تفوقنا فى القوات البرية أصبح أيضاً طبقاً للأوضاع الحالية غير ذى تأثير من حيث تكبيد العدو خسائر تؤثر عليه وتستنزف قواته بالقدر الذى ترغبه؛ وذلك نظراً لأن قواته الرئيسية سحبت للخلف وخارج نيران المدفعية وأسلحة الضرب المباشر والدوريات قصيرة المدى كما أنه وضع تحصينات كثيرة فى موقفه هذا بالإضافة إلى وجود قناة السويس عقبة فى حرية العمل ضد العدو.
ولكى نستخدم تفوقنا فى المدفعية والقوات الخاصة يحتاج الأمر إلى تلاحم مع العدو حتى يمكن استنزاف قواته.
فكرة العملية:
الاستمرار فى العملية الدفاعية مع دفع النطاق الدفاعى الأول شرق القناة، أى إجراء عملية عبور وإنشاء رءوس «كبارى» بثلاث فرق وثلاثة لواءات مدرعة شرق القناة على مسافة تتراوح بين 10 - 15 كيلومتراً حسب طبيعة الأرض، والتشبث برءوس الكبارى هذه مع دفع النطاق الثانى إلى الشاطئ الغربى للقناة مباشرة بدلاً من النطاق الدفاعى الأول الحالى على أن تتم هذه العملية باستخدام المفاجأة الكاملة للعدو من حيث التوقيت والحشد وأن تتم المواجهة ليلاً.
مزايا العملية:
1- رفع الروح المعنوية لدى الشعب العربى والقوات المسلحة.
2- تكبيد العدو خسائر فادحة فى الأفراد والمعدات.
3- الانتهاء من أغلب عملية العبور وإجراءاتها فى وقت لا يتوقعه العدو وفى وقت لا يحشد فيه قواته على الشاطئ الشرقى للقناة.
4- وجود قواتنا فى مواجهة مباشرة مع العدو يمكننا من استخدام أسلحتنا التى تتفوق على العدو بكفاءة وتأثير وهى المدفعية والقوات الخاصة، وبذلك يمكن استمرار استنزاف العدو بتأثير أكبر.
5- إمكانية تحسين المواقع تدريجيّا شرقاً بعمليات صغيرة متتالية على مراحل.
6- إجبار العدو على حشد عدد كبير من قواته فى سيناء فى مواجهة قواتنا، وبذلك يمكن إرهاقه عسكريّا واقتصاديّا.
7- دفع الدول الكبرى لوضع حل عادل للموقف بصورة جدية ونحن فى وضع مشرف لنا سياسيّا وعسكريّا.
صعوبات العملية:
1- تفوق العدو جويّا فى الفترة الحالية، ولكن بمجرد استقرار الوحدات فى أوضاعها الدفاعية لن يصبح الموقف الجوى كما هو الآن بل يتحسن موقفنا نحن من ناحية إمكان استخدام المطارات الأمامية بأمان مثل أبوصوير وفايد والقطاية وقد يكون كبريت أيضاً، وبعدها يمكننا زيادة مدى طائراتنا إلى حوالى 80 - 100 كيلومتر.
2- قيام العدو بالهجمات المضادة السريعة ولكن بما أن العبور سيكون على طول المواجهة سيحتاج ذلك إلى قوات كبيرة من العدو غير منتشرة حاليّا فى سيناء، هذا بالإضافة إلى إمكان استخدام مدفعيتنا فى معاونة قواتنا من شرق وغرب القناة مع عمل ستارة كثيفة فى رءوس الكبارى من الأسلحة المضادة للدبابات.
كما أن وجود رءوس الكبارى على مسافة 10 - 15 كيلومتراً من القناة سيحرم العدو من حرية المناورة والالتفاف فى ضرباته المضادة وسيصبح معظمها إن لم يكن كلها فى المواجهة.
3- صعوبة عملية العبور وخصوصاً بالنسبة للمعدات الثقيلة، وهذه يمكن التغلب عليها بالمفاجأة والعبور على طول المواجهة والتمهيد العنيف بالمدفعية واستخدام عبور المعدات من أماكن عبور متفرقة ليلاً يصعب ضربها جميعاً.
4- صعوبة إعاشة القوات عبر القناة وفى هذه الحالة يمكن نقل الإعاشة ليلاً من أماكن عبور متفرقة، مع تغطيتها بالمدفعية المضادة للطائرات.
ملاحظات عامة:
1- تحتاج هذه العملية إلى فترة تتراوح من 3 إلى 4 أشهر يتم فيها تدريب القوات التى ستقوم بالعملية، كلّ على واجبه فقط، إضافة إلى التركيز على أعمال الاستطلاع بحيث يمكن الحصول على معلومات دقيقة عن أوضاع ودفاعات العدو، كما يجب أيضاً حشد القوات وأدوات العبور ومدافع الهجوم تدريجيّا بشكل لا يلفت النظر بل يبدو كأنه تحسين لمستوى الدفاعات.
2- يجب أن تتم العملية تحت ستار كثيف من نيران المدفعية ويحميها أكبر قدر ممكن من وسائل الدفاع الجوى.
3- من الضرورى أن ننتخب توقيت العملية بحيث نضمن مفاجأة العدو أى أن تكون أوضاعه كما هى الآن مع إعطاء العملية أكبر قسط من السرية وعدم معرفة الأفراد إلا بواجباتهم فقط فى آخر وقت ممكن.
4- لتنفيذ العملية وتحقيق الأهداف المرجوة منها، يجب اللجوء إلى الخداع الاستراتيجى والتنفيذى المتكامل، ونخطط له مع وضع الخطة على مراحل.
5- يمكن تغطية هذه العملية بالاشتراك مع عمليات محدودة بالجبهة الشرقية لتمكين موقفها الدفاعى، أو عمليات مُنفصلة.
وفى النهاية وضعت توقيعى مجدداً، وبعد أن استقر بى التفكير إلى عدم إرسال الأوراق إلى الرئيس جمال عبدالناصر كخطة للحرب، بسبب مخاوفى التى أشرت إليها سابقاً، وضعت الأوراق فى درج مكتبى ولم أرسلها إلى عبدالناصر.
وظللت طوال عام ونصف العام أقرأ فى كتب كان ابنى الأكبر محمد يحضرها لى، وعادة كنت أحتفظ فى مفكرة ببعض النقاط من الكتب المترجمة إضافة إلى تصريحات المسئولين الإسرائيليين.
http://www.elwatannews.com/news/details/332184

اخبار متعلقة
جميع الحقوق محفوظة © 2012 www.elwatannews.com موقع الوطن يتم تطويره بواسطة
إذهب الي نسخة الكمبيوتر