Monday, July 21, 2008

اكليل شوك




إكليل شوك

فكرتُ كثيراً لأضع عنواناً مناسباً لهذا التحليل..
ربما لأني أتطرق لمواضيع عديدة.. مترابطة.. و متشابكة.. و لا يمكن أن يتم التعامل معها بشكل متسلسل منفصل..
و مصطلح إكليل شوك يُعد مصطلح معروفاً و مفهوماً بسهولة عند الأقباط.. إذ يذكرهم بالتاج الذي تم إعداده من الأشواك و تم وضعه علي هامة السيد المسيح له المجد عند صلبه حسبما يؤمن الأقباط..
و المصطلح قد يكون معروفاً عند المطلعين علي الثقافة القبطية من المسلمين..
و لكن بشكل أو  بآخر حاولتُ الإشارة إلي ما يحويه هذا التحليل من دلالة معينة ربما يلمح إليها العنوان..
مصطلح يحوي قدر من التناقض المثير للانتباه..
قدر من التشابك.. و الألم.. و القيمة.. و الفكر..
شوك يُصنع منه إكليل.. تاج..
شوك متشابك.. لا تعرف كيف تفرقه و تفصل بينه و بين بعض إلا إذا ارتديت ما يحميك..
إكليل.. راس.. فكر.. قيمة.. قبول.. رفض..
أرجو أن يتم قبول عذري عن قدر الإطناب و الإسهاب الذي سيتسم به هذا التحليل..
بل ربما تشعر بالملل..
أو حتى سأسعى إلي ذلك حتى لا تُتِم القراءة!!..
و سأعمد إلي أسلوب الحروب الشهير..
الكر.. و الفر..
عندما اقترب جداً بكلماتي من توصيل ما أريد سأبتعد فوراً بكلمات عامة ..
سأكر.. و أفر..
ذلك لما تحمله موضوعات هذا التحليل من قدر كبير من التشابك.. و الحساسية..
مرتكزاً علي المبدأ الثقافي الأشهر..
إن الخلاف لا يفسد للود و لا للاحترام أي قضية..
سابدأ بتحديد النقاط..
انتبه..
سأكر الآن!!..
اولاً:مفهوم الدعم السياسي الذي يتم تقديمه من الأقباط إلي حاكم الدولة.
ثانياً:تحديث الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بحملة المؤهلات العليا علي يد البابا كيرلس السادس و ما أسفر عنه من ايجابيات و سلبيات.
ثالثاً: مفهوم قبول القبطي للألم و الظلم لكونه قبطي و الفرح بهذا الألم في ظل أفكار الليبرالية و العلمانية وحقوق المواطنة.
رابعاً:قرار البابا شنودة الثالث بمنع ذهاب الأقباط إلي القدس و إعلانه أن ذلك لن يتم إلا و أيدي الأقباط في أيدي إخوتهم المسلمين.
خامساً:تأثير قرار البابا شنودة الثالث علي الوجدان القبطي المعاصر و تنامي تأليه القديسين.
نعم..
هذا هو ما أريد مناقشته في هذا التحليل..
أري أن العنوان يمثل صدي لما أريد أن أتحدث فيه..
و أري أن البنود الخمسة التي أريد مناقشتها في تحليلي هذا تحمل قدراً من الجفاف..
أود أن أبتعد عن تعبير الصدمة..
لذلك..
أريد أن أَبني تحليلي علي أسلوب الكر و الفر..
المناورة..
والاقتراب الحثيث من الغرض المباشر..
بأسلوب غير مباشر..
بادئ ذي بَدء..
أحب أن أؤكد علي عدة نقاط:
1-كاتب هذه السطور مسيحي قبطي أرثوذكسي..خاضع خضوعاً دينياً لقداسة البابا شنودة الثالث.. الأب الروحي للأقباط.. و خاضع لآباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية..و المطارنة و الأساقفة و لكافة القرارات الدينية التي يصدرها المجمع المقدس.
2-إنني انتمي إلي الأجيال التي نشأت علي أفكار البابا المحبوب شنودة الثالث و أحب كثيرا قراءة كتبه الرائعة و الاستماع إلي العظات القوية المحددة..
و قد تأثر وجداني بمجموعة كتبه الخالدة التي تحمل اسم
خبرات في الحياة و كلمة منفعة.
3- أؤكد علي طاعتي التامة و الكاملة لكافة القرارات الدينية التي يصدرها البابا شنودة الثالث و المجمع المقدس علماً بان الطاعة هي تنفيذ ما هو غير مُقنع.
مثال:
إذا أمر الآمر المأمور قائلاً:
"إذا شعرت بالعطش..اذهب و اشرب"
و فعل المأمور كما أُمر..
هذا ليس طاعة..
بل أمر تلقائي و بديهي..
أما إذا أمر الآمر المأمور قائلاً:
"إذا شعرت بالعطش..فلا تذهب لتشرب"
و فعل المأمور حسب ما أُمر..
هذه هي الطاعة..
هي أن تنفذ ما أنت لست مقتنعاً به..
و أكرر طاعتي..
أما إذا قمتُ في تحليلي هذا بمناقشة بعض الأمور مناقشه هادئة ليس هذا مقدمة لعدم الطاعة..
أكرر احترامي و حبي و طاعتي للبابا شنودة الثالث..
هذا حتي لا يظن الظانون ظناُ..
أو ظنوناً!!..
و نعود..
سأناقش بنودي الخمسة بشكل إجمالي..
لن أحاول أن أفصل بينها كالأشواك لأنها مترابطة جدا..
و لكن فقط سأحاول أن أوضح ما أريد..
علي مدي التاريخ عُرف الأقباط بوداعتهم و أمانتهم..
لم يقل التاريخ عنهم أنهم طابور خامس..
و في التاريخ المعاصر و القديم أمثلة كثيرة عن رفض الأقباط للوقيعة بينهم و بين إخوتهم المسلمين.. أو اتخاذهم كذريعة لوجود تدخل أجنبي بدعوى حمايتهم كأقلية مثلاً..
حدث هذا من أيام دعوة قيصر روسيا لفرض حمايته علي أقباط مصر في القرن التاسع عشر و رفض الأقباط دعوته بوضوح معتاد لا يثير الدهشة..
و اشترك الأقباط و المسلمون في كافة الثورات و الحركات التي سبقت ثورة يوليو 1952 ضد الاحتلال الإنجليزي..
و كان هذا طبيعياً..
و أعطي الأقباط دعماً سياسياً للزعيم سعد زغلول ضد الاحتلال الإنجليزي..
ثم..
قامت ثورة يوليو 1952..
و لم نسمع عن رفض الأقباط تحديداً لها..
و تم تنصيب البابا كيرلس السادس أباً للأقباط عام 1959..
و حضر السيد أنور السادات مندوباً عن رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر..
و لنلاحظ..
كان الرئيس جمال عبد الناصر في أوج قوته في ذلك التاريخ..
البكباشي جمال عبد الناصر في يوليو 1952 غير جمال عبد الناصر في مارس 1954 غير الرئيس جمال عبد الناصر في يوليو 1956 غير الرئيس جمال عبد الناصر في أكتوبر 1956 غير الرئيس جمال عبد الناصر في ديسمبر 1956..
غير الرئيس جمال عبد الناصر في مايو 1959..
الرئيس جمال عبد الناصر كان في أوج قوته و في بدايات ما عرف بالوحدة مع سوريا ..
البابا كيرلس السادس كما تقول كتبنا نحن الأقباط تمتع بعلاقات قوية و متينة مع الرئيس جمال عبد الناصر..
و كان البابا كيرلس السادس يعرف قدر الرئيس جمال عبد الناصر..
ملتزماً بوصية الكتاب المقدس الداعية إلي احترام و طاعة الرؤساء و ولاة الأمور..
و ملتزما بما يُعرف بالدعاء للرئيس في الكنائس..
الرئيس و الحكومة و الوزراء و الجند..
في ما يُعرف في الكنيسة بـ " اوشية الرئيس "
استطاع أن يقدره حق قدره..
و استطاع أن يتعامل معه بالأسلوب الذي يناسب رئيس الدولة..
و كالمعتاد..
قدم البابا كيرلس السادس الدعم السياسي للرئيس جمال عبد الناصر..
تجلي هذا عندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه من الرئاسة في 9 يونيو 1967..
و ذهب البابا كيرلس السادس مع وفد من القيادات الدينية للكنيسة القبطية..
و علي الرغم من عزلة الرئيس جمال عبد الناصر في تلك الآونة العصيبة..
إلا أن كتبنا نحن الأقباط تقول بان السيارة الوحيدة التي سُمح لها بالدخول للرئيس جمال عبد الناصر هي سيارة الوفد القبطي برئاسة البابا كيرلس السادس..
كانت العلاقات قوية.. متينة..
لم يحدث أن طلب البابا كيرلس السادس شيئا من الرئيس جمال عبد الناصر..
و لم يقل إنني في حاجة إلي كنائس..
بل الكاتدرائية الجديدة بالعباسية كانت اقتراحاً من الرئيس جمال عبد الناصر..
الذي يقول ليتم التنفيذ..
اقترح الرئيس جمال عبد الناصر علي البابا كيرلس السادس بتغيير المقر البابوي من الكاتدرائية المرقسية بالازبكية إلي مكان آخر أكثر ملائمة..
لم يطلب البابا كيرلس من الرئيس جمال عبد الناصر وزراء.. أو محافظين.. أو أساتذة جامعة.. أو أي مناصب للأقباط..
و قام البابا كيرلس السادس بتحديث الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بدأه قبل أن يتولى الرئاسة الدينية للكنيسة بسنوات طويلة..
كان يشجع خريجي الجامعات من الأقباط علي الدخول في سلك الرهبنة الذي قد يقود بعد ذلك إلي المناصب القيادية الرفيعة في المجمع المقدس..
و حُورب الرجل كثيراً من قيادات الكنيسة..
و كل الذين قاوموه لم ينجح منهم أحد..
البابا كيرلس السادس الحاصل فقط علي شهادة البكالوريا استشرف سيادة عصر العلم..
مشجعاً حملة المؤهلات العليا علي الدخول في سلك الكهنوت و الرهبنة..
و في كتاب السر العظيم الذي صدر عن البابا كيرلس السادس نقرأ عبارات عن البابا كيرلس السادس و إدارته للكنيسة تحمل عناوين مثل إيجاد القيادات.. خلق القيادات.. تحديث القيادات..تحديث الكنيسة..
نعم..
كل هذا حدث لان البابا كيرلس السادس استشرف الإحداث و رأي احتياج السلك الكهنوتي و الرهباني إلي هذه العقول..
و أصبح ما أراده البابا كيرلس السادس هو الطبيعي و التلقائي في أيامنا هذه..
الغالبية المطلقة من أعضاء المجمع المقدس حاصلون علي مؤهلات عليا..
و البابا شنودة الثالث هو أول بطريرك يحمل مؤهل عال في تاريخ الكنيسة القبطية..
يمكنك بسهولة أن تجد أسقفاً مصرياً يلقي عظة باللغة الإنجليزية..
و كذلك البابا شنودة..
من خمسين عام كان هذا يعد مستحيلاً..
نجح البابا كيرلس في وضع الكنيسة القبطية علي طريق مواز ٍ للعصر الحديث..
و قام الرجل بدوره..
رغبة منه في إيجاد رعاة مواكبين للعصر..
آباء روحانيين متفهمين للعصر الحديث..
يستطيعون إدارة الكنيسة بعقول متجددة..
و تنمية الشعب القبطي بشكل عصري سليم..
و ليسوا خارجين علي طاعة رئيس الدولة..
أو يناصبونه العداء.. و الندية..
و مات الرئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970..
و رحل البابا كيرلس عن عالمنا في مارس 1971..
و تم تنصيب البابا شنودة الثالث في نوفمبر 1971..
و نقارن بين الموقف الذي كان عليه الرئيس جمال عبد الناصر عندما تم تنصيب البابا كيرلس السادس بابا للأقباط..
و بين الموقف الذي كان عليه الرئيس أنور السادات عندما تم تنصيب البابا شنودة الثالث بابا للأقباط..
في مارس 1971 وقت رحيل البابا كيرلس السادس عن عالمنا كان الصراع بين الرئيس أنور السادات و بين ما عُرف بمراكز القوي علي أشده..
و وقت تولي الرئيس أنور السادات مقاليد الحكم في مصر كان مرفوضاً شعبياً.. ليس لشخصه.. و لكن تحت السؤال الاستنكاري:
من يجلس مكان الرئيس جمال عبد الناصر؟!!..
قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق و السياسي الاميركي الأشهر ما يعني أن الرئيس السادات لن يمكث في حكم مصر أكثر من ستة أسابيع..
كان الرجل يبدو ضعيفاً ..
هزيلاً..
بل شديد الضعف و الهزال..
و في نوفمبر 1971 تم تنصيب البابا شنودة الثالث بابا للأقباط كحاصل علي مؤهل عال و أول بابا مثقف في تاريخ مصر الحديث..
و بالحسابات العقلية..
الرئيس يبدو ضعيفاً..
الرئيس يسمح بإطلاق حملات للسخرية في حقه و النيل منه..
لم يكن يدري أحد أن ذلك من ضمن خطة الخداع الاستراتيجي و حملات التضليل للإعداد لنصر أكتوبر الخالد..
عام الضباب..
عام الحسم..
هذه الأمور و غيرها جعلت هيبة الرجل كرئيس تهتز  و  بشدة..
اهتزت في أعين القوي السياسية الموجودة و التي لها الحق في أن تنقد و تحلل و تفكر و تناقش و تقول و تقرر.. و.. و..
و اهتزت آيضاً في رأيي في أعين الأب الروحي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية و أعضاء المجمع المقدس ..
و لا ينكر الأب الروحي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن من حقه كمواطن مصري في تكوين رأي سياسي و وجهة نظر سياسية..
و هو منطق غير مألوف كنسياً..
في ظل تلقائية الدعم السياسي الذي يلقاه حاكم الدولة من الكنيسة..
و نقف أمام مسألة الدعم السياسي ..
و أتحدث عن مرحلة ما قبل نصر أكتوبر الخالد التي شكلت صورة الرئيس أنور السادات في وجدان البابا شنودة الثالث..
إنني أري أن الكنيسة القبطية لها اتجاهان لا ثالث لهما..
إما أن تقدم الدعم السياسي الكامل لحاكم الدولة وهو المنطق التقليدي الذي يحضها الكتاب المقدس و صلوات القداس عليه..
أو: لا تقدم الدعم السياسي الكامل لحاكم الدولة و تقف في موقف المراقب أو المتابع..
و لكن..
يجب علي الكنيسة ألا تقاوم حاكم الدولة..
أو تعلن عن رفضها سياساته في تسيير أمور الدولة..
كما حدث عندما أعلن البابا شنودة الثالث عن رفضه لكامب ديفيد..
لا نسبق الأحداث..
أري أن الكنيسة لم تستطع أن تقوم بعملية تقييم سليم للرئيس أنور السادات..
أن التقييم غير السليم و عدم إدراك أهداف حاكم مصر.. و عدم إدراك الضغوط الرهيبة سواء السياسية و الاقتصادية و احتلال الأرض ..
و عدم إدراك انه غير منفرد تماما بالحكم في أول عهده..
و عدم إدراك انه في حاجة إلي أي يد تقدم له الدعم السياسي..
كل هذه و غيرها من حالات " عدم الإدراك" استمرت و  يا للأسف حتي بعد نصر أكتوبر الخالد الأسطوري..
بعد 19 فبراير 1974 قام الرئيس أنور السادات بتكريم قيادات جيشه المنتصر و ظهر في العالم بالشكل السليم كقائد قوي منتصر نُسب له إعادة مصر هيبتها و احترامها..
بل..
و حياتها..
لم يقدم له احد دعماً سياسياً..
الغالبية نسبوا النصر للقائد السابق المهزوم..
لم يقدم له أحد من القوي السياسية أو من فئات الشعب دعماً سياسياً واضحاً قوياً..
حتي فئة الأقباط الأرثوذكس..
لم تقم قياداتهم بتقديم الدعم التقليدي الواجب دينياً عليهم..
نصر أكتوبر 1973 لم يكن نهاية..
الأرض أغلبها مُحتَل..
فك إشتباك أول..
و ثان..
إرهاق عصبي و ذهني..
تسويق مصر بشكل جديد و عصري..
تعمير مدن القناة..
إعادة إفتتاح القناة في 5 يونيو 1975..
تغيير الشكل الاقتصادي من اشتراكي إلي رأس مالي..
إعادة الحريات و هدم السجن الحربي..
تشجيع المنابر لإعادة الأحزاب..
أحداث رهيبة..
و ضغوط متواصلة..
ياليت الأمر توقف عند عدم تقديم دعم سياسي..
بل امتد الأمر إلي شئ جديد تماماً..
يحدث بهذا الشكل في الكنيسة القبطية لأول مرة..
وجود نغمة جديدة..
أسلوب جديد..
بدا الحديث عن الرغبة في بناء كنائس جديدة..
و تصاعد إلي ما يُعرف بحقوق الأقباط..
هذه الأمور لم يكن يضعها آباء الكنيسة علي جدول أعمالهم عند لقاءاتهم بحاكم الدولة..
كان الحكام يبادرون بالعرض فيتحدث أب الكنيسة..
استمرت حالة الطلب مستمرة..
الإلحاح..
المناداة..
الشكوي.. و التذمر.. و عدم الرضا..
و النفور..
و عدم تقييم ضغوط الحاكم و الوضع الدقيق الدولي الحاد..
استعد الرئيس لمؤتمر السلام في جنيف..
و بدأ في التفكير للذهاب إلي إسرائيل ارض الأعداء..
نريد كنائس.. لنا حقوق..
استمع إلي مطالب الأقباط..
أليسوا مثل الفنانين و العمال و أولاد علي..
و كان الرجل يبحث عن من يسانده..
فلجأ إلي أعداء الرئيس جمال عبد الناصر..
ليس حباً فيهم..
و لم يسندوه حباً فيه..
لكنه أراد أن يجد من يدعمه..
من يحترمه..
و نتساءل عن دور الكنيسة في هذه الخطوة السياسية التي اتخذها الرجل..
المهم..
ذهب الرجل إلي إسرائيل في نوفمبر 1977..
صلي عيد الاضحي في المسجد الاقصي..
و زار كنيسة القيامة في تحية للأقباط..
و أيد الشعب هذه الزيارة..
و أرسل البابا شنودة الثالث برقية تقول:
طوبي لصانعي السلام..
قام البابا شنودة الثالث ممثلا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتأييد زيارة رئيس الدولة أنور السادات إلي إسرائيل تمهيداً لاستعادة الأرض..
فرح الرجل..
ابتهج بردود الأفعال التي أبدتها معظم القوي السياسية و الأقباط و فئات الشعب الساعية إلي حقن الدماء..
استبشر الرجل خيراً..
و استمر..
مفاوضات صعبة..
شاقة..
مرهقة..
ضغوط عربية عنيفة..
مزايدات..
مساومات..
استمرت المطالب..
نريد كنائس.. لنا حقوق مواطنة..
و تم توقيع معاهدة السلام..
معاهدة السلام هي نتيجة طبيعية و تلقائية للزيارة..
و يا للعجب..
رفض البابا شنودة الثالث معاهدة كامب ديفيد..
و هذا الرفض ربما يعد بمثابة أول خروج عن الدعم السياسي التقليدي الذي يقدمه الأقباط للحاكم المصري في العصر الحديث..
و يعد غير منسجم مع الموقف الإنجيلي و صلوات القداس..
ربما تم الرفض تماشياً مع عدم القبول الشعبي لها ..
و هذا ليس مبرر..
و المعاهدة تنص علي تسليم سيناء في خمسة مراحل..
الضغط العصبي متواصل..
سباق مع الزمن..
منذ حرب يونيو 1967 توقف الحجاج المسيحيون علي مستوي العالم عن الحج إلي القدس سنوياً..
و بعد يونيو 1975 و إعادة افتتاح قناة السويس و ما يمثله من استقرار للأوضاع ..عاد الحجاج المسيحيون إلي الحج إلي القدس عدا حجاج الشرق الأوسط..
و بدأ الرئيس السادات في مطالبة البابا شنودة الثالث بعودة تنظيم قوافل حج الأقباط إلي القدس..
و أفاد البابا شنودة برده بمنع ذهاب الأقباط إلي القدس..
و أزاد قائلاً:
إن الأقباط لن يذهبوا إلي القدس إلا أيديهم في أيدي إخوتهم المسلمين..
كان رداً جارحاً و محرجاً..
الحقيقة إن الرئيس السادات أراد إثبات حسن النوايا حتي لا تعرقل إسرائيل عملية تسليم سيناء..
و البابا شنودة الثالث خاف علي رعيته من دنياهم حتي لا يُساء فهم موقف الأقباط كمبادرين للتطبيع..
و نتساءل عن المعنى السياسي لمصطلح: التطبيع.
اختلطت الأوراق بشدة..
تضاربت الأفكار.. و تناقضت النتائج..
اذكر منذ عامين أي في ديسمبر 2003 إن اهدي لي احد الأصدقاء جزءاً من نبات شوكي ..
تخرج منه زهور أرجوانية أخاذة و هذا النبات الشوكي من القدس..
بل انه ينتمي إلي فصيلة النبات الذي تم اقتطاع منه إكليل الشوك الشهير..
نظرتُ لهذا الفرع الصغير.. و فكرت ملياً..
نحن دائماً نصف القرار بأنه تم منع ذهاب الأقباط إلي القدس..
نقولها هكذا دائماً..
الذهاب..
مجرد ذهاب..
جوهر الموضوع انه ليس ذهاباً..
المسالة ليست رحلة ترفيهية..
ليست رحلة سياسية..
ليست رحلة عمل.. و صفقة تجارة..
إن الموضوع هو..
منع الأقباط من الحج إلي القدس..
و ما يتبع ذلك من شعائر دينية و نسك و استحضار لآلام السيد المسيح له المجد..
أما ما ذُكر عن الذهاب و أيدي الأقباط في أيدي إخوتهم المسلمين هو باختصار مزايدة جارحة للرئيس المسلم..
و وضع الشعب المصري مسلميه و أقباطه في موقف مواجه لرئيس الدولة..
ازداد الاحتقان بين ممثلي الأقباط و بين رئيس الدولة..
حاكم البلاد..
الرئيس أنور السادات..
الذي حاول استعادة دير السلطان إلي سيادة الكنيسة القبطية..
نعم..
اسمه هكذا..
دير السلطان..
ربما يندهش بعض شباب الأقباط من المصطلح بدعوى انه لا يوجد قديس اسمه السلطان..
السلطان هو السلطان صلاح الدين الأيوبي..
الذي حارب لتحرير القدس من الفرنجة.. الصليبيين..
وقف أقباط مصر بجوار صلاح الدين..
و كان من قواد صلاح الدين قائداً مسيحياً اسمه عيسي العوام..
انتصر صلاح الدين الأيوبي..
و أراد إعطاء أقباط مصر الذين ناصروه قطعة ارض في القدس كهدية..
أرض يقيم الأقباط عليها ديراً يصلح كاستراحة لاستضافة الأقباط عندما يحجون إلي القدس سنويا..
و لم يذهب احد منذ إعادة افتتاح قناة السويس..
قال لي احد أصدقائي تعليقا علي استيلاء إسرائيل علي الدير و تسليمه إلي الرهبان الأحباش:
" اصل مافيش رِجل!!.."
بكسر الراء..
قالها بالعامية..
و المعني واضح تماماً..
و ضاع دير السلطان..
و دم الأجداد..
لم يكن متوقعاً من البابا إن يخاف علي رعيته أكثر من خوف الخالق عليهم..
و لنُصِغ معا سيناريو آخر للأحداث..
لنفرض إن رئيس الدولة رجل له احترامه و هيبته..
و إن بابا الأقباط يقدم دعماً سياسياً للرئيس..
و العلاقات معقولة..
و البابا يريد التوازن بين رغبة الرئيس في استعادة سيناء..
بطريق يرفضه الكثيرون من المسلمين..
و بين خوف البابا علي رعيته..
مع تحفظي علي المبالغة في المخاوف خاصة أن القبطي يحيا في ظل ضريبة الألم..
هنا يقوم البابا بتقديم اقتراح إلي الرئيس..
بإيفاد وفد رسمي قوامه نحو عشر أعضاء..
يتكون من أساقفة .. كهنة.. رهبان.. عضوين من المجلس الملي..
و يذهب هذا الوفد..
مع وضع خطة إعلامية مكثفة للتوعية بمفهوم الحج عند الأقباط..
و الفارق بين الحج..
و بين التطبيع..
و المسالة هي وفد رسمي..
و ليس شعبي..
و نترقب الموقف..
دعونا نستنتج كل الاحتمالات..
إذا تعرض الوفد القبطي بالذات و هم سائرون وسط حجاج العالم لاعتداء من فلسطينيين مثل يوسف السباعي لطالب الرئيسُ السادات إسرائيلَ بتوفير الحماية الكافية لرعاياه..
و إذا تعرض الوفد لاعتداء من متطرفين إسرائيليين لكرر الرئيس السادات الطلب السابق بل و يزيد و يُشهِد الراعي الاميريكي علي الموقف..
و إذا تعرض الأقباط لموقف ما من شركاء الوطن يتم توجيه الرأي العام و إتباع الأساليب التقليدية في مثل هذه المواقف..
مع قبول ثقافة الألم..
و بمرور السنوات يصير حج الأقباط واقعاً ملموساً..
بدلا من الوضع الحالي الذي يتسم بمعاناة الأقباط من وجدان مشوه..
الإنسان يحيا بحواسه الخمس..
يتعرف علي الحياة و كل شئ بحواسه الخمس..
ابتعد الأقباط عن شخص السيد المسيح له المجد..
و ازدادوا اقتراباً من القديسين..
ذلك لتشبع الحواس بالرفات و الزفة و التراث المادي للقديسين..
و وصل الوجدان القبطي المعاصر  و  يا للأسف إلي مرحلة تأليه القديسين..
هذا ما اسميه بوضوح..
حالة تأليه القديسين..
ناهيك عن الازدواجية القائمة بين قبول القبطي للألم و الظلم لكونه قبطي..
و هذا هو التراث التقليدي و الجوهر السليم..
و بين ما نسمعه الآن من مفاهيم الليبرالية و العلمانية و حقوق المواطنة..
و الأمور المرفوضة التي يقوم بها ما يعرف بمنظمات أقباط المهجر..
من الناحية السياسية يبدو الأمر منطقياً..
و من الناحية المسيحية يحزنني مطالبة دائمة بحقوق و مناصب و.. و..
القبطي الأصيل يرضي بالألم و الظلم لكونه قبطي..
و لا يحزن بالضيق و الألم..
بل يعتبره فخراً و بهجة..
الوجدان القبطي المعاصر تغير  و  خرج تماما عن المنهج الإنجيلي..
هذا رأيي..
حقاً..
رحم الله الرئيس البطل أنور السادات..
حتى نحن الأقباط قاومناه..
في موقف لست اذكر انه تكرر من قبل من الأقباط تجاه حاكم الدولة..
و لا نملك جرأة الاعتراف بأنه كان علي حق في مسالة حج الأقباط و دير السلطان..
اعتذر عن الإطالة..
الخلاف في الرأي لا يفسد للود و لا للاحترام أي قضية..
اكرر احترامي و تقديري للجميع..
و طاعتي و خضوعي لكنيستي المحبوبة..
الخالدة..