Friday, July 20, 2018

و السلام


بسم الله،
أيها الإخوة والأخوات،
كان بودي أن أجيء إليكم قبل الآن ،ألتقي بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا لكن مشاغلي كانت كما تعلمون وكما تُقَدَّرون، وأثق أنكم تُقَدِّرون وتعذرون، ومهما يكن فلقد كنت أحس بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا معاً فيما أخذت علي مسئوليتي تعبيراً عن إرادة أمة وتعبيراً عن مصير شعب مناسباً أن أجيء إليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجري علي أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر القضايا الإنسانية وهي قضية الحرب والسلام ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطني والقومي ظاهرة محلية أو إقليمية لأن المنطقة التي نعيش فيها بدورها الإستراتيجي والحضاري في القلب من العالم وفي الصميم من حركته ولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية فإنني أريد أن أدخل مباشرة فيها أريد أن أتحدث معكم وسوف أركز علي نقطتين : الحرب و السلام.
أولاً : الحرب.
لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً و نتباهى بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر بل و أعظم و أمجد أيام التاريخ وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر و نتباهى ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل ، قصة الكفاح و مشاقه ومرارة الهزيمة و ألآمها وحلاوة النصر وآماله ، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه ، وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره ,كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتي نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني علي أن لدينا من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا وإذا جاز لي أن أتوقف قليلاً وأنا أعلم أنكم تتشوقون إلي سماع الكثير فإنني أقول ما يلي:
أولاً : فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وعاهدتكم عليه، حاولت أن أفي بما عاهدت الله وعاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبط من هذا اليوم ، عاهدت الله وعاهدتكم، أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي هي التكليف الأول الذي حملته ولاء لشعبنا وللأمة ، عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لا أدخر جهداً ولن أتردد دون تضحية مهما كلفني في سبيل أن تصل الأمة إلي وضع تكون فيه قادرة علي دفع إرادتها إلي مستوي أمانيها، ذلك أن اعتقادنا دائماً كان ولا يزال أن التمني بلا إرادة نوع من أحلام اليقظة يرفض حبي و ولائي لهذا الوطن أن نقع في سرابه أو في ضبابه.
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن نثبت للعالم أن نكسة ١٩٦٧ كانت استثناء في تاريخنا وليست قاعدة، وقد كنت في هذا أصُر عن إيمان عميق يستوعب (٧٠٠٠) سنة من الحضارة ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنا لا يعلو عنها وللوصول إليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمي، عاهدت الله وعاهدتكم علي أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلي جيل سوف يجيء بعده منكسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها، عزيزة صواريها، وقد تكون مخضبة بالدماء ولكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة.
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة ولا أتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ، وكانت الحسابات مضنية والمسئولية فادحة لكنني أدركت كما قلت لكم وللأمة مراراً وتكراراً إن ذلك قدري وإني حملته علي كتفي ، عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصاً أن أفي بالوعد ملتمساً عون الله وطالباً ثقتكم وثقة الأمة وإني لأحمد الله
ثانياً : لقد كان كل شيء منوطاً بإرادة هذه الأمة ، حجم هذه الإرادة وعمق هذه الإرادة وما كنا نستطيع شيئاً وما كان أحد ليستطيع شيئاً لو لم يكن هذا الشعب ، ولو لم تكن هذه الأمة ، لقد كان الليل طويلاً وثقيلاً ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبداً بطلوع الفجر وإني لأقول بغير ادعاء أن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة أن نكستها لم تكن سقوطاً وإنما كانت كبوة عارضة وان حركتها لم تكن فوراناً وإنما كانت ارتفاعاً شاهقاً، لقد أعطي شعبنا جهداً غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محدودة وأظهر شعبنا وعياً غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعي فإن الشعب احتفظ بإيمان غير محدود وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسئوليتي وقبلت راضياً بما شاء الله ان يضعه على كاهلي كنت أعرف أن إيمان الشعب هو القاعدة وإذا كانت القاعدة ، سليمة فان كل ما ضاع يمكن تعويضه وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الانطلاق إليه مرة أخري وبرغم ظواهر عديدة بعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وُجهت إلينا فقد كان سؤالي لنفسي ولغيري في كل يوم يمر: هل القاعدة سليمة ؟
وكنت واثقاً انه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها أن تمس صلابة هذه القاعدة، ومادامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير وغير ذلك لن يكون إلا زوبعة في فنجان كما يقولون،لست أنكر إننا وُجهنا بمصاعب جمة ، مصاعب حقيقية مصاعب في الخدمات ، مصاعب في التموين مصاعب في الإنتاج ، مصاعب في العمل السياسي أيضاً . وكنت أعرف الحقيقة ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها كنت أعرف إننا نحاول أن نجعل الحياة مقبولة للناس وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر وكنت واثقاً إنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي ، وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون وأحمد الله.
ثالثاً : لقد كانت هناك إشارة واضحة إلي وجود تمزق في ضمير الأمة العربية كلها وكنت أري ذلك طبيعياً لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارة النكسة ، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه امتحانها الرهيب وهي علي هذه الحالة من التمزق في ضميرها.
كنت أقول أن هذا التمزق فضلاً عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضاً بين الواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد انه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي ولم أكن في نفس الأوقات علي استعداد للدخول في مناقشات عقيمة ، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي ؟ وكان رأيي أن الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلا من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكون التحدي كبيراً بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة ، لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ ولكنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبرى فإنها قادرة علي أن تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك ، كنت مؤمناً بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية وكنت مدركاً للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة.
ولكنني كنت واثقاً أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها علي كل القوي وعلى كل الأطراف وعلي كل التيارات لأننا جميعاً سوف نعي أن هذا الظرف ليس مساواة بين الاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله
رابعاً : ولقد كنت أعرف جوهر قواتنا المسلحة ولم يكن حديثي عنها رجماً بالغيب ولا تكهناً لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفت بالخدمة في صفوفها وتحت ألويتها.
إن سجل هذه القوات كان باهراً ولكن أعداءنا الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزاً مخيفاً لأنها أرادت أنتشكك الأمة في درعها و سيفها ، ولم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة ،كانت من ضحايا نكسة 1967 ولن تكن أبداً من أسبابها
كان في استطاعة هذه القوات سنة ١٩٦٧ أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التي حذر منها عبد الناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قراراً بالانسحاب العام من سيناء بدون علم عبد الناصر
إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام ١٩٦٧ ،إن هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعاً عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه ، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل،ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسئولية استكمال البناء ومسئولية القيادة العليا لها.
 أن القوات المسلحة قامت بمعجزة علي أي مقياس عسكري، استوعبت العصر كله تدريباً وسلاحاً بل وعلماً واقتداراً ، وحين أصدرت لها الأمر أن ترد علي استفزاز العدو وان تكبح جماح غروره فإنها أثبتت نفسها، أن هذه القوات أخذت في يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققت مفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة.
ولست أتجاوز إذا قلت أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة ٧٣ حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها بعد أن أفقدت العدو توازنه في ٦ ساعات!
لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة إلا أن النتائج لمعركة ٦ أكتوبر خلال الساعات الست الأولي من حربنا كانت هائلة، فقد العدو توازنه إلي هذه اللحظة،
وإذا كنا نقول ذلك اعتزازاً، وبعض الاعتزاز إيمان، فان الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وباسم هذا الشعب وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة، ثقتنا في قياداتها التي خططت، وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم ،ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة، ثقتنا في سلاحها و في قدرتها علي استيعاب هذا السلاح.
أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن و يأمن بعد خوف إنه قد أصبح له درع وسيف.
أريد من هنا أن أشد انتباه حضراتكم معي إلي الجبهة الشمالية حيث حارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد
وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتم الأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين ، أنكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال
ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها ، لقد كنا من طلائع المعركة ، تحملنا ضراوتها ودفعنا معاً أفدح تكاليفها من دمائنا ومن مواردنا ، ولسوف نواصل القتال ، ولسوف نتحدى الخطر ، ولسوف نواصل مع إخوة لنا ، تنادوا إلي الساحة صادقين مخلصين سوف نواصل جميعاً دفع ضريبة العرق والدم حتى نصل إلي هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرة من مراحله المتصلة المستمرة.
أيها الإخوة والأخوات،
كل ذلك عن الحرب والآن ماذا عن السلام ؟
عندما نتحدث عن السلام فلابد لنا أن نتذكر ولا ننسي كما لابد لغيرنا ألا يتناسى حقيقية الأسباب التي من أجلها كانت حربنا وقد تأذنون لي أن أضع بعض هذه الأسباب محددة قاطعة أمام حضراتكم:
أولاً : إننا حاربنا من أجل السلام، حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام ، وهو السلام القائم علي العدل ، إن عدونا يتحدث أحيانا عن السلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل ، إن دافيد بن جوريون هو الذي صاغ لإسرائيل نظرية فرض السلام والسلام لا يُفرض، والحديث عن فرض السلام معناه التهديد بشن الحرب أو شنها فعلاً.
والخطأ الكبير الذي وقع فيه عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن ولقد ثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية.
السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم ، السلام بالعدل وحده ، والسلام ليس بالإرهاب مهما أمعن في الطغيان ومهما زين له غرور القوة أو حماقة القوة
ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادي فيها عدونا ليس فقط خلال السنوات الست الأخيرة بل خلال السنوات الخمس والعشرين ، أي منذ قامت الدولة الصهيونية باغتصاب فلسطين ولقد نسأل قادة إسرائيل اليوم : أين ذهبت نظرية الأمن الإسرائيلي التي حاولوا إقامتها بالعنف تارة وبالجبروت تارة أخري ، طوال خمس وعشرين سنة ؟ لقد انكسرت وتحطمت ، قواتنا العسكرية تتحدي اليوم قواتهم العسكرية وها هم في حرب طويلة ممتدة وهم أمام استنزاف نستطيع نحن أن نتحمله بأكثر وأوفر مما يستطيعونها هم عمقهم معرض إذا تصوروا أن في استطاعتهم تخويفنا بتهديد العمق العربي
وربما أضيف كي يسمعوا في إسرائيل أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون أن صواريخنا المصرية العربية عابرة سيناء من طراز ظافر موجودة الآن علي قواعدها ،مستعدة للانطلاق بإشارة واحدة إلي الأعماق في إسرائيل ولقد كان في وسعنا منذ الدقيقة الأولي للمعركة أن نعطي الإشارة ونصدر الأمر خصوصاً وأن الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم بأكثر مما يقدرون علي تحمل تبعاته لكننا ندرك مسئولية استعمال أنواع معينة من السلاح ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها ، وإن كان عليهم أن يتذكروا ما قلته يوما ومازلت أقوله العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق.
ثانياً : أننا لم نحارب لكي نعتدي علي أرض غيرنا وإنما حاربنا و نحارب وسوف نواصل الحرب لهدفين اثنين:
الأول : استعادة أراضينا المحتلة بعد سنة ١٩٦٧
الثاني : إيجاد السبل لاستعادة و احترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين ، هذه هي أهدافنا من قبول مخاطر القتال ولقد قبلناها رداً علي استفزازات لا تحتمل ولا تطاق ولم نكن البادئين إنما كنا فيها ندافع عن أنفسنا وعن حرياتنا وعن حقنا في الحرية والحياة
إن حربنا لم تكن من أجل العدوان ولكن ضد العدوان ولم نكن في حربنا خارجين علي القيم ولا القوانين التي ارتضاها مجتمع الدول لنفسه وسجلها في ميثاق الأمم المتحدة الذي كتبته الشعوب الحرة بدمائها بعد انتصارها علي الفاشية والنازية بل لعلنا نقول أن حربنا هي استمرار للحرب الإنسانية ضد الفاشية والنازية ، ذلك لأن الصهيونية بدعواها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليست إلا تكراراً هزيلاً للفاشية والنازية يثير الازدراء ولا يثير الخوف ويبعث علي الاحتقار أكثر مما يبعث علي الكراهية.
إننا في حربنا كنا نتصرف وفق نص روح وميثاق الأمم المتحدة وليس مجافاة للروح ولا للنص وإلي جانب الميثاق نفسه فقد كنا نتصرف تقديراً واحتراماً لقرارات المنظمة الدولية سواء علي مستوي الجمعية العامة للأمم المتحدة أو علي مستوي مجلس الأمن
أيها الإخوة والأخوات
لقد شهد العالم كله لنا بالحق وأشاد بشجاعتنا دفاعاً عن هذا الحق.
أدرك العالم إننا لسنا البادئين بالعدوان ولكننا المبادرون بواجب الدفاع عن النفس ، لسنا ضد قيم وقوانين مجتمع الدول ولكننا مع قيم وقوانين مجتمع الدول، لسنا مغامري حرب وإنما نحن طلاب سلام،
أدرك العالم ذلك كله و كان يتعاطف من قبل ذلك مع قضيتنا و اليوم زاد علي تعاطفه معنا احترامه لتصميمنا علي الدفاع عن هذه القضية و لقد كنا نطمئن بعطف العالم و نحن الآن نعتز باحترامه وأقول لكم بصدق وأمانة إنني أفضل احترام العالم ولو بغير عطف، علي عطف العالم إذا كان بغير احترام.
و أحمد الله،
أيها الإخوة والأخوات،
إن دولة واحدة اختلفت مع العالم كله ولم تختلف معنا فقط إنما مع العالم كله كما قلت ، وهذه الدولة هي الولايات المتحدة، لقد فوجئت كما تدعي بأننا حاولنا رد العدوان ولسنا نفهم كيف ولماذا فوجئت هذه الدولة ،لم تكتف كما تقول بأنها فوجئت وإنما أفاقت من المفاجأة دون أن تعود إلي الصواب ،ومن المؤسف والمحزن أن يكون هذا موقف واحدة من القوي الأعظم في هذا العصر، لقد كنا نتوقع أو ربما نتمنى ضد الشواهد والتجارب كلها أن تفيق الولايات المتحدة الأمريكية من المفاجأة إلي الصواب لكن ذلك لم يحدث ورأينا الولايات المتحدة تخرج من المفاجأة إلي المناورة والعودة إلي خطوط ما قبل ٦ أكتوبر وكان يمكن أن نغضب من هذا المنطق المعكوس ولكننا لم نغضب لأننا نثق في أنفسنا من ناحية ومن ناحية أخري لأننا بالفعل نريد أن نساهم في سلام العالم.
إن العالم يدخل في عصر من الوفاق بين القوتين الأعظم ونحن لا نعارض سياسة الوفاق ، كان لنا تحفظ واحد عليها ومازال تحفظناً قائماً ، إذا كنا نريد أن يدخل العالم بعد استحالة الحرب العالمية إلي عصر من السلام، فإن السلام ليس معني مجرد أو مطلق، السلام له معني واحد هو أن تشعر كل شعوب الأرض إنه سلام لها وليس سلاماً مفروضاً عليها.
واني لأقول أمام حضراتكم وعلي مسمع من العالم : نحن نريد أن تنجح وان تتدعم سياسة الوفاق ونحن علي استعداد للمساهمة في إنجاحها وتدعيمها.
إن أي نسيان لهذه الحقيقة البديهية ليس تجاهلاً فحسب، وإنما هو إهانة لا نرتضيها لأنفسنا ولا للعالم الذي يعرف أهمية وقيمة المنطقة التي نعيش فيها وعليه أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة علي أن تمنح وأن تمنع.
أيها الإخوة والأخوات
إن الولايات المتحدة بعد المناورة التي رفضنا مجرد مناقشتها خصوصاً بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت إلي سياسة لا نستطيع أن نسكت عليها،أو تسكت عليها أمتنا العربية، ذلك إنها أقامت جسراً سريعاً تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل
لم يكفِ الولايات المتحدة أن سلاحها هو الذي مكَّن إسرائيل من تعطيل كل محاولات الحل السلمي لأزمة الشرق الأوسط، فإذا هي الآن تتورط فيما هو افدح ، فيما هو اخطر في عواقبه بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحاول إزاحة كابوسه عن أراضينا المحتلة إذ هي تسارع إلي العدوان تعوضه عما خسره وتزوده بما لم يكن لديه!.
إن الولايات المتحدة تقيم جسراً بحرياً وجوياً تتدفق منه علي إسرائيل دبابات جديدة، وطائرات جديدة، ومدافع جديدة، وصواريخ جديدة، واليكترونيات جديدة،و نحن نقول لهم إن هذا لن يخيفنا، ولكن عليكم وعلينا قبل أن تصل الأمور إلي نقطة اللا عودة أن نفهم إلي أين وإلي متي؟!، ونحن خريطة الشرق الأوسط وليست إسرائيل ،إلي أين ومصالحكم كلها عندنا وليست في إسرائيل ؟ إلي أين والي متي ؟
أيها الإخوة والأخوات
لقد فكرت في أن أبعث إلي الرئيس ريتشارد نيكسون بخطاب أحدد فيه موقفنا بوضوح ولكنني ترددت خشية إساءة التفسير ولذلك قررت أن استعيض عن ذلك بتوجيه رسالة مفتوحة إليه من هنا ، رسالة لا يمليها القول ولكن تمليها الثقة ، رسالة لا تصدر عن ضعف ولكن تصدر عن رغبة حقيقية في صون السلام ودعم الوفاق ، أريد أن أقول إنه بوضوح إن مطلبنا في الحرب معروف لا حاجة بنا لإعادة شرحه، وإذا كنتم تريدون معارضة مطلبنا في السلام فإليكم مشروعنا للسلام:
أولا : إننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أرضنا التي أمسك بها الاحتلال الإسرائيلي سنة ٦٧ ولإيجاد السبيل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين ، ونحن في هذا نقبل التزامنا بقرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة ومجلس الأمن.
ثانياً : إننا علي استعداد لقبول وقف إطلاق النار علي أساس انسحاب القوات الإسرائيلية عن كل الأراضي المحتلة فوراً وتحت إشراف دولي إلي خطوط ما قبل ٥يونيو ١٩٦٧
ثالثاً : إننا علي استعداد فور إتمام الانسحاب من كل هذه الأراضي أن نحضر مؤتمر سلام دولي في الأمم المتحدة سوف أحاول جهدي أن اقنع به رفاقي من القادة العرب المسئولين مباشرة عن إدارة الصراع مع العدو كما إنني سوف أحاول جهدي أن أقنع به ممثلي الشعب الفلسطيني وذلك لكي يشارك معنا ومع مجتمع الدول في وضع قواعد وضوابط السلام في المنطقة يقوم علي احترام الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة.
رابعاً : إننا علي استعداد في هذه الساعة، من هذه الدقيقة أن نبدأ في تطهير قناة السويس وفتحها أمام الملاحة الدولية لكي تعود أداء دورها في رخاء العالم وازدهاره ولقد أصدرت الأمر بالفعل إلي رئيس هيئة قناة السويس بالبدء في هذه العملية غداة إتمام تحرير الضفة الشرقية للقناة وقد بدأت بالفعل مقدمات للاستعداد لهذه المهمة.
خامساً : إننا لسنا علي استعداد في هذا كله لقبول وعود مبهمة، أو بمبادرات مضللة تقبل كل تفسير وكل تأويل وتستنزف الوقت مما لا جدوى منه وتعيد قضيتنا إلي جمودها، لم نعد نقبل به مهما كانت الأسباب لدي الغير أو التضحيات بالنسبة لنا ، ما نريده الآن هو الوضوح ، الوضوح في الغايات والوضوح في الوسائل.
أيها الإخوة والأخوات
لقد قلنا كلمتنا وأدعو الله مخلصاً أن يفهمها الجميع في إطارها الصحيح وأن يضعوها علي الخط المستقيم وأن يحسنوا تقدير الأمور إن هذه المسألة تتطلب شجاعة الرجال وعقل الرجال ومن جانبنا فإننا نواجه هذه الساعات بخضوع الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع أمتهم ومع إنسانيتهم هذه ساعات تدور فيها معارك أكبر مما دار من أسلحة تقليدية حتى في حروب العمالقة، هذه ساحات تتقرر فيها مصائر وتتحدد فيها علاقات سوف تفرض نفسها علي المستقبل وهي تؤكد نفسها في الحاضر هذه ساعات يتقدم فيها أبطال ، وهذه ساعات يسقط بل يرتفع فيها شهداء هذه ساعات حافلة بمشاعر متباينة تمتزج فيها صيحة الفرح بمشاعر عميقة أخري ذلك إننا كنا و لا زلنا نريد الحق ولا نريد الحرب لكننا كنا ولا نزال نريد الحق حتى إذا فُرضت علينا الحرب وحين كانت نشوة الانتصار تملأ كل القلوب فإنني كنت فيما بيني وبين ربي أعرف مدي العناء الإنساني الذي ندفعه في سبيل النصر.
ولقد كنت أتتبع أنباء انتصارنا في خشوع لأنني أعرف الحرب ولقد كان أعز القائلين هو الذي علمنا "كُتب عليكم القتال وهو كره لكم."
أيها الإخوة والأخوات،
هذه ساعات نعرف فيها أنفسنا ونعرف فيه الأصدقاء ونعرف فيها الأعداء ، ولقد عرفنا أنفسنا، ولقد عرفنا أصدقائنا وكانوا بأصدق وأخلص ما نطلب من الأصدقاء ولقد كنا نعرف عدونا دائماً ولسنا نريد أن نزيد من أعداءنا بل أننا لنوجه الكلمة بعد الكلمة والتنبيه بعد التنبيه ، والتحذير بعد التحذير لكي نعطي للجميع فرصة يراجعون ولعلهم يتراجعون، لكننا بعون الله قادرون بعد الكلمة وبعد التنبيه وبعد التحذير أن نوجه الضربة بعد الضربة ولسوف نعرف متي وأين وكيف إذا أرادوا التصاعد فيما يفعلون ، الأمة العربية كلها وأسمح لنفسي أن أعبر عنها ، لن ننسي مواقف هذه الساعات أن الأمة العربية لم تنس أصدقاءها هذه الساعات الذين يقفون معها ولن ننسي أعداء هذه الساعات الذين يقفون مع عدونا.
ربنا كن لنا عونا وهدي، ربنا و بارك لنا في شعبنا وأمتنا ربنا انك وعدت ووعدك الحق " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.