جاءتني
صاخبة جامحة دون رتوش أو اصطناع، كأنها سِربٌ من خيول برية لم يستطع أحدٌ ترويضَها..
سألتني
في سخرية:
"هل
تتوقع أن تنجح مبادرتُك المضحكة؟!.."
قلتُ لها في هدوء ، مشفقاً عليها:
"سأجيبَكِ
إن أجبتِ سؤالي أولاً.."
صاحت
في غضبٍ هادرٍ كأنها جيوشٌ متصارعة:
"
بلاش طريقة السيد المسيح دي!!.."
تجاهلتُ
ملاحظتَها و رثيتُ لحالها و سألتُها في هدوء:
"
ثورة عرابي، هل فشلتْ أم نجحتْ؟!.."
لانَت
ملامحها الجذابة فجأة، و أجابتني في هدوءٍ ناعم كأنها أفعى تتسلل إلى خصمها النائم:
"
هوجة عرابي فشلت فشلاً ذريعاً أيها الجاهل، حاول أن تتعلم القراءة أيها المتحذلق،
و إن نجحتَ في أن تتعلم القراءة، حاول بعد ذلك أن تلتحق بمدرسة ابتدائية أيها
الكهل، و إن وجدتَ مدرسةً ابتدائية تقبلك في صفوفها، ابدأ في قراءة كتاب مادة
التاريخ لتعرف الحقائق أيها الأحمق.."
أطرقتُ
برأسي أرضاً..
كنتُ
قد اعتدتُ على إهاناتها المتكررة لي منذ زمن طويل..
كانت
تدرك تماماً بماذا سأجيبها..
كانت
تعرف بالضبط ماذا سأخبرها..
و
لكنها ظلت واقفة أمامي، ترفع رأسها في كبرياء زائف ممزوج بتحدٍ و عناد..
ظللتُ
مطاطئ بوجهي أرضاً و بدأت أخاطبها في حذر و حرص لأتجنب عصبيتها قدر الإمكان، فقلتُ:
"
ثورة احمد عرابي – سبتمبر 1882 – نجحَتْ
تماماً في يوليو 1952 ، و امتد نجاحُها باتفاقية الجلاء يوليو 1956، مروراً بإعلان
الجُمهـ.."
بترتُ
عبارتي فجأة على صرختها المريرة..
و
انصرفَتْ أمامي بخطوات رعدية و هي تتمتم بكلمات لم أسمعها..
و
تهذي بلُغَات لا أعرفها..
لستُ
اعلم إن كنتُ ما زلتُ أحبها أم لا..
و
لكني متأكد إنني حزين عليها..
بالرغم
من أن حقيقتها قد انكشفت أمامي حين صُدِمتُ فيها يوم جمعة الغضب يناير 2011..
و
تَفَهَّمتُ سرَّ المغنية داليدا التي غنَّت عنها بانتماء و شغف، دون حتى أن تنطق و لو
لمرة واحدة..