Wednesday, April 11, 2012

يوسف بن أون



حوار تخيلي
الكلمة


    حوار أجراه : يوسف بن أون.

إلى كل من ينتمي إلى شعب الله التقيت معه وجهاً لوجه و سألته:

* من أنت ؟!!


ربما ستندهش عزيزي القارئ وتتساءل لماذا عنوان هذا الحوار هو نفس عنوان المقالات التي أكتبها في جريدة السنهدريم بصفتي رئيساً لتحريرها ؟
و ربما تزداد اندهاشاً وتواصل  تساؤلك قائلا :
و لماذا وضعت للحوار عنوان ؟ وهو أمر لم تفعله من قبل ؟!

أقول لك عزيزي القارئ أن هذه التساؤلات سأجيب عليها خلال الحوار خاصة عند نهايته و لكن..
أعتقد أنك ستتعجب كذلك من طبيعة الشخص الذي أجريت معه الحوار.. إنه ليس يهودياً عادياً أو أحد الفريسيين أو الكتبة أو الناموسيين..  إنه ليس تاجراً كبيراً و لا كاهناً مرموقاً و لا رئيس كهنة.. انه ليس قيافا أو بيلاطس الوالي الروماني و لا حتى طيباريوس القيصر الإمبراطور إن حواري هذه المرة سيكون مع يسوع الناصري.. لا!!.. لا تغلق الجريدة!!.. إن كنت لا تعرفه فأعدك أن نعرفه سوياً خلال اللقاء أما إن كنت عرفته من قبل فستعرفه أكثر وأكثر خلال اللقاء..  معذرة على المقدمة و لكن الأمر هذه المرة يستحق..

      ذهبت إلى بستان جثسيماني,  كانت الشمس في سبيلها للشروق تقدمت إلى أحد التلاميذ و طلبت منه أن أقابل يسوع فأخذني الرجل وقادني إليه.. إلى يسوع الناصري.. ربما يكون القارئ العزيز قد رأى يسوع الناصري من قبل و لكن إذا كنت لم تره من قبل فسأصفه لك.. انه طويل القامة نوعاً.. عيناه تبرقان ببريق خاص.. حسن الصورة.. وقور الطلعة بالرغم من حداثة سنه.. كان هدفي من الحوار هو أنت عزيزي القارئ.. لكي تقف على الحقيقة كاملة بدون رتوش و بدون تحيز أو ادعاءات لا معنى لها.. ذهبت إلى حيث كان يسوع و جلس الجميع أنا و الرجال الذين يسمون أنفسهم تلاميذ و يسوع الناصري.. كان يسوع مبتسماً بهدوء طيلة الحوار و كان يبدو كملك وسط رجاله فاستفزني هذا الشعور فسألته مباشرة..
* من أنت ؟
هنا اتسعت ابتسامة يسوع الناصري التي أعطت انطباعاً متناقضاً مع عينيه اللتين تنطقان بحزن كامن كذلك ابتسم تلاميذه و تبادلوا النظرات فيما بينهم ثم عادت نظراتهم لتستقر عند أحدهم و هو يدعى بطرس على ما أظن.. حدث هذا و لم أجد إجابة..
* فقلت في تحد : هل أنت المسيح ؟!
أجاب يسوع : ماذا تعلم عن المسيح؟
* قلت في عناد : أنا هنا لكي اسأل..
 نظر إلىَّ يسوع في رقة أخجلتني و قال :( اسألوا تعطوا.. اطلبوا تجدوا.. اقرعوا يفتح لكم )..
* سألته : هل معنى ذلك أن ما سأطلبه سأجده ؟!
نظر إلى السماء و قال : نعم.. بل و قبل حتى ان تطلب.. لأن أباكم السماوي يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه.. ثم نظر إلىَّ وابتسم ثانية و قال :
أي إنسان إذا سأله ابنه خبزا أفيعطيه حجراً؟!!.. و إن سأله سمكة هل يعطيه حية؟!.. فإن كنتم و أنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحرى أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه..
*لم أتمالك نفسي فخرجت عن الأسئلة المعدة قبلاً و قلت مسرعاً:
 أريد مالاً لكي يتزوج ابني الأكبر خلال هذا العام..
نظر إلي في عطف قائلا :
انظر إلى طيور السماء إنها لا تزرع و لا تحصد و لكن الله يعطيها قوتها لا تهتم بما للغد لكن يكفي اليوم شره .
و هنا حدثت جلبة و تعالت صيحات التلاميذ على أثر سقوط فرع شجرة يابس على أحدهم و يدعى توما وقالوا:
انجدنا يا معلم!!..
و تصورت أنهم يقصدوني!!..
إلا أنني وجدت يسوع الناصري ينهض في خفة و يقول:
لا تخافوا!!..
و بدأ يشارك رجاله في إزالة الفرع المتيبس ثم وضع يده على خدوش توما إذ التأمت سريعا.. فصاح توما قائلاً:
ربي و الهي!!..
قال يسوع : الفرع لم يثبت في الشجرة لذلك يبس و مات كما أن الغصن لا يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك انتم أيضا إن لم تثبتوا فيَّ..  أنا الكرمة و انتم الأغصان الذي يثبت فيَّ و أنا فيه هذا يأتي بثمر كثير لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا أليس كذلك؟!..
* قلت في تلقائية : بلى يا معلم..
نظر إليَّ قائلاً : أنا عالمٌ بأتعابك مع الذين يتآمرون عليك..
تطلعت إليه مندهشاً إذا كيف علم بالمكائد التي يدبرها جيراني ضدي!!.. هل أنا مشهور إلى هذا الحد؟!
 قال يسوع بقوة : لا تقاوم الشر.. من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر..
* قلت في عناد حقيقي : كيف هذا و هل يضيع حقي؟!..
أجاب يسوع و عيناه تبرقان وكأنهما يكشفان ذاتي :
الرب يقاتل عنكم و أنتم تصمتون.. أحبوا أعداءكم.. كونوا قديسين نظير القدوس الذي دعاكم..
* تساءلت في صوت خافت : و من هو القدوس الذي دعانا ؟
أجاب و هو يقترب خطوة مني :
 إن عطش أحد فليقبل إليَّ و يشرب.. تعالوا إلي أيها المتعبين وثقيلي الأحمال و أنا أريحكم.. احملوا نيري عليكم و تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم.. لأن نيري هين وحملي خفيف..
ثم تعالت أصوات طيور الصباح  وهنا ركع التلاميذ فجثوت أنا أيضا على ركبتي أمامه..
و قال : أنا هو القيامة و الحياة من آمن بي و لو مات فسيحيا..
و سألني أتؤمن بابن الله ؟
*أجبتُه بصوت هامس لم أسمعه:
من هو يا سيد لأؤمن به ؟
قال الرب : إن الذي يتكلم معك هو .
* قلت : أؤمن يا سيدي .

هنا أشرقت الشمس تماما.. هنا قال الرب ( الكلمة ) كلمة واحدة .
قال : اتبعني .
الكلمة التي أردتها لأهب حياتي للكلمة..
و قد كان.

تنويه:
تحيط جريدة السنهدريم قراءها العزاء علماً بأن هذه المقالة هي آخر مقالات رئيس التحرير يوسف بن أون و ذلك لاستقالته.