Wednesday, August 17, 2011

الصديق الخفي


الصديق الخفي

http://www.slideshare.net/sawwaf/ss-8883012

الاثنين.. 12 / 9 .. الثامنة صباحأ..

" صباح الخير يا والدتي الحبيبة.. صباح الخير يا أختي الحبيبة.."

القي ناجي تحية الصباح علي أسرته بأسلوبه المرح.. و داعب ابن أخته الرضيع.. و قالت له أخته في نبرة متوترة:

" أنت برضه رايح الشركة؟"

ابتسم ناجي قائلاً:

" طبعاً.. مش شُغلي؟!.."

تعالت نبرتها و هي تخاطبه:

"طيب.. و لغاية امتي؟!"

أجابها و هو يتحاشى النظر إليها:

" لغاية لما ربنا يريد.. "

مضي بعض الوقت.. و همّ ناجي بالخروج.. و قالت له أخته:

" أنت برضه هتسلم علي عم كمال.."

أجابها مبتسماً:

"طبعاً.. و إحنا لينا بركة غيره؟"

قالت مسرعة:

" اللي بتديهوله كل يوم يكفّي عيلة بحالها..هو مش محتاج لفلوس دلوقت.. و حبه ليك هو اللي بيخّليه ينضف العربية.. أنت ليه مش واخد بالك من نفسك؟!.. أنت عارف دلوقت عندك كام سنة.. و عاوزين نفرح بيك؟"

أطلق ناجي ضحكته الصافية التي بدت منسجمة مع وجهه الطفولي.. فأعطي انطباعاً أزال التوتر من وجه شقيقته.. و قال وسط ضحكاته:

" ربنا يدبر.."

خرج ناجي من المنزل حيث كان عم كمال العجوز ينظف سيارة ناجي الصغيرة.. و أعطاه ناجي بعض النقود تهلل لها الرجل كعادته كل يوم.. مما أعطي احساساً بالرضا لدي ناجي.. و انطلق لمكان عمله..

الاثنين..12 / 9 .. التاسعة صباحاً..

تبادل ناجي تحية الصباح مع زملائه بالشركة.. و جلس علي مكتبه أمام جهاز الكمبيوتر.. الكمبيوتر صديق ناجي الوحيد..

لا..

ليس الوحيد..

بل هناك الرسم.. ناجي يحب الرسم جداً.. و لكنه يرسم بالكمبيوتر أيضا.. و يريد أن يقيم معرضاً لرسوماته تلك.. و لكن من أين يجد تكاليف قاعة عرض مناسبة؟!.. و لائقة بـ..

" يا باش مهندس ناجي.. رُد علي التليفون.."

أفاق ناجي من خواطره علي صيحات زملائه.. كانت المكالمة كالمعتاد.. احد المشتركين في شركة الكمبيوتر التي يعمل بها ناجي يعاني من مشكلة خاصة بالانترنت.. كان ناجي بارعاً في توجيه صاحب المكالمة حتى انتهت المشكلة.. و أغلق التليفون..

" ايه يا عم ناجي؟!..سرحان في ايه؟!.."

أجاب ناجي بابتسامته العذبة:

" مافيش حاجة يا أمير.."

قال أمير و هو يضغط علي أزرار الكمبيوتر الذي يواجهه:

"لو احتجت حاجة.. أنا جنبك.."

هز ناجي رأسه و مدّ يده إلي الكمبيوتر .. و لكن توقفت يده فجأة..ما هذا؟ .. انه يعلم انه ديسك.. و لكن ليس خاصاً به.. من أتي به ههنا؟!

" أمير.. الديسك ده بتاعك؟!.."

هكذا سأل ناجي.. أجابه أمير في هدوء:

"لا يا ناجي.. يمكن تكون نسيته امبارح.. و لا حاجة.."

قال ناجي:

" ما اظنش يا أمير.."

قال أمير في لا مبالاة:

" طيب شغّله يا ناجي و شوف فيه ايه.."

نظر ناجي إلي الديسك و ساوره شعور غريب و قال:

"طيّب.."

بدأ ناجي في تشغيل الديسك و ارتسمت علي شاشة الكمبيوتر عدة كلمات..

" المهندس ناجي.. نوّدُ أن نحيطكم علماً بأن قاعة دالي للفنون علي استعداد لاستقبال لوحاتكم في الفترة من 15 / 9 ـــ 22 / 9 ..

نرجو حضوركم لتأكيد الحجز.. و هذه صورة من الإيصال.. شكراً.."

و ظهرت صورة من إيصال حجز قاعة الفنون.. مبلغ كبير بالطبع..

" مش ممكن!!.."

أطلق ناجي صيحته التي انتبه إليها زملاؤه في الشركة.. و استطرد قائلاً:

" مين اللي حجز القاعة؟!.. مين اللي جاب الفلوس؟!.."

قال زميله نصري:

"هي ايه الحكاية يا ناجي؟.."

قصّ عليهم الموضوع مستشهداً بأمير.. و أنهاها و هو يلهث من الانفعال.. قال نصري و هو يعود إلي مقعده:

"دي فرصة يا ناجي..يا أخي احمد ربنا.."

قال ناجي:

" الحمد لله.. بس مين اللي جاب الديسك هنا؟!.. مين؟!.."

الاثنين .. 19 / 9 .. الثانية عشر ظهراً..

" أهلا و سهلاً يا باش مهندس.. المعرض منور.."

قالها مدير القاعة و هو يصافح ناجي في حرارة.. و استطرد قائلاً:

" من زمان ماشفناش القاعة مليانة ناس كدة.."

أجاب ناجي في تواضع:

"الحمد لله.."

كانت القاعة تزدان بلوحات ناجي.. بورتريهات لأشخاص معروفين و غير معروفين مثل عم كمال.. و لوحات تشكيلية و سريالية.. كلها بالكمبيوتر الذي يضع درجات الألوان و توزيع الإضاءة علي اللوحة بدقة متناهية.. كان الإقبال واسعاً علي المعرض.. كان المعرض ناجحاً.. بادر ناجي المدير قائلاً:

" مين اللي حجز القاعة باسمي؟!.."

أجابه المدير و هو يحاول أن يتذكر:

"واحد معرفتك.. اسمه صلاح.. صابر.. صاروفيم..مش فاكر.. ده قال انه يعرفك.. مش كده؟!.."

تجاهل ناجي هذا السؤال.. و قضي يومه بالمعرض.. و عندما انصرف كانت رزمة من الأوراق المالية تملأ جيبه..

السبت.. 24 / 9 .. السابعة مساءاً..

" ألف مبروك يا ابني.. ألف مبروك.."

خاطبت والدة ناجي ابنها بعبارتها هذه.. و استطردت في حنوّ:

" حقيقي.. المعرض ده كان باب خير بالنسبة لك.."

صاحت أخته في سعادة:

" ايوة كدة يا باش مهندس .. علشان نشوف حالنا.."

ضحك ناجي ضحكة طويلة ثم قال:

" بس تفتكروا مين اللي حجز القاعة؟!.."

قالت والدته بطيبتها المعتادة:

" يمكن واحد قلبه عليك.. انت يا ناجي تستاهل كل خير.."

هتفت أخته:

" و إحنا مالنا؟.. الحمد لله و خلاص.."

صمت ناجي قليلاً ثم قال:

" الحمد لله.. دلوقت أنا رايح الشركة.. الليلة دي نبطشية.."

قالتا سوياً:

" تروح و ترجع بالسلامة.."

السبت..24 / 9 .. الحادية عشر و النصف مساءاً..

ما كاد ناجي ينتهي من صلاة نصف الليل في المكتب.. حتى ارتسمت فوق شاشة الكمبيوتر عدة كلمات.. يقول مرسلها انه يود أن يتحاور معه عبر الانترنت.. رحّب ناجي بالحديث إلي هذا المجهول.. عرّفه ناجي بنفسه ثم كتب:

" من أنت؟!.."

قالت الشاشة:

" أنا صاحب الديسك.."

توتّر ناجي قليلاً .. و صعدت أصابعه و هبطت علي الأزرار.. و كتب :

" أأنت الذي حجز القاعة؟!.."

قالت الشاشة:

" نعم.. أنا هو.. و عندي عمل آخر.."

كتب ناجي:

" من أنت؟!.."

تجاهلت الشاشة سؤاله قائلة:

"أنا اعلم انك دارس جيد للرسم بالكمبيوتر و ماهر في أعمال الـGraphics.. و تُوجد شركة متخصصة اعدّت برنامجاً جديداً و تحتاج إلي رسومات له.. ما رأيك؟!.."

صعدت أصابع ناجي و هبطت بعصبية فوق لوحة الأزرار.. و كتب:

" من أنت؟!.."

أتته الإجابة علي الشاشة:

" يمكننا أن نتعامل باسم مستعار.. أنا { الصديق الخفي } بالمناسبة.. ستجد عنوان الشركة في جيب قميصك.."

و انقطع الاتصال فجأة .. و هو يفكر في عنوان الشركة..

الأحد.. 25 / 9 .. الثالثة بعد الظهر..

" هتنزل تاني يا ابني؟.. أنت امبارح نبطشية.. يعني النهاردة أجازة.."

كانت والدته تتحدث و هي تري الإجهاد البادي علي وجه ناجي.. أجابها مبتسماً:

" ادعي لي يا ست الكل.. عندي شُغل تاني في شركة تانية.."

قالت والدته و هي ترفع يديها نحو السماء :

" ربنا يباركك يا ابني و يكافئك علي قد إحسانك للفقراء.."

قال في خُشوع:

" آمين.."

قالت والدته:

" مادام الحكاية فيها شُغل جديد.. يبقي لازم قميص كويس من القمصان اللي جابها المكوجي من شوية.."

انتبهت حواس ناجي.. و اندفع نحو الدولاب.. كان يبعثر في القمصان و الجيوب.. قالت والدته:

" ليه يا ناجي؟!.. المكوة هتروح.."

صعدت أصابعه من جيب احد القمصان و هي تحمل ورقة صغيرة من جيب احد القمصان.. كان بها عنوان الشركة.. و مُوقّعة باسم {الصديق الخفي}

الأحد.. 25 / 9 الرابعة بعد الظهر..

" أنا جاي بخصوص الرسومات بتاعة البرنامج الجديد.."

قالها ناجي و هو يرتعش.. لم يكن يعلم هل الموضوع جاد.. أم انه عبث في عبث.. إلا أن ماحدث في قاعة الفنون أعطاه بعض الثقة.. رفعت السكرتيرة نظرها إليه.. و قلبّت بعض الأوراق.. و توقفت عند إحداها و قالت في روتينية:

" حضرتك الباش مهندس ناجي؟.."

قال في ارتياح:

" ايوة.."

قالت:

" حضرتك هتاخد البرنامج و مطلوب رسومات عليه.. و البرنامج سهل إنما مهم جداً في استخدامه.. علي أساس أن الصديق الخفي بيحتاج لــ.."

قاطعها ناجي صائحاً:

" الصديق الخفي؟.. بتقولي الصديق الخفي؟.."

وقفت في خوف و هي تتساءل:

" ايوة الصديق الخفي.. فيه حاجة؟.."

صاح قائلاً:

" انتِ تعرفيه؟.. تعرفي الصديق الخفي؟.."

قالت في ذعر حقيقي:

" ايوة اعرفه.."

و هنا تجّمع موظفو الشركة حوله.. و احتكوا به.. و لكن احدهم أزاحهم عنه و قال في برود:

" فيه ايه يا أفندم؟.."

كان الوجه يبدو مألوفاً مما شّجع ناجي علي الحديث قائلاً:

" عايز أشوف الصديق الخفي.."

قال آخر:

" حضرتك اللي هترسم الرسومات.. مش كدة؟.."

صاح ناجي و هو يقطب حاجبيه بصورة بدت و كأنه إنسان آخر:

" عايز أشوف الصديق الخفي.."

أجابوه:

" حاضر.. حاضر.."

فتحت السكرتيرة احد الأدراج و أعطته C.D .. و هي تقول في سعادة:

" إحنا مبسوطين من الحماس ده.. اتفضل الصديق الخفي.."

قال ناجي في دهشة:

" ايه ده؟!!.."

أجابته مبتسمة:

" هتلاقي هنا برنامج الصديق الخفي.. عبارة عن برنامج بيسّهل للعميل في أي شركة أوراق مالية انه يشتري أو يبيع أسهم.. و انه يعرف أوضاع البورصة.. كأنه سمسار يعني!!.."

احمر وجه ناجي خجلاً.. و قدّم اعتذاراً لها و للجميع.. و ابتسم الموظفون و هو يأخذ الـC.D .. و هو يمضي..

الاثنين..26 / 9 .. الواحدة بعد الظهر..

" هل انتهيت من الرسومات المطلوبة؟.."

هكذا بدأ الكمبيوتر معه الحديث.. كتب ناجي:

" من أنت؟!.. و لماذا تفعل هذا معي؟.."

أتته الإجابة:

" ألم اقل لك؟.. أنا الصديق الخفي.. المهم .. أرجو أن تكون وضعت الرسومات للبرنامج.."

كتب ناجي:

" لقد بدأتُ بالفعل.. هل بامكاني أن اعرف أول حروف اسمك؟!.."

ارتسمت الحروف بسرعة:

" ستكون لك نسبة جيدة من مبيعات البرنامج.. و سأرشحك لأي عمل مثل هذا يخص شركتنا.."

كتب ناجي:

" معني هذا انك تعمل بالشركة؟.. إنني حتى لم انتبه إلي اسمها.."

كتب الصديق الخفي:

" أول حرف من اسمي هو { ص } "

و انقطع الاتصال ..

الثلاثاء.. 27 / 9 .. السادسة مساءاً..

كان ناجي يُعد نفسه للذهاب للشركة و معه الرسومات المطلوبة.. و لكنه وجد نفسه يتهاوى علي مقعده المفّضل لنفسه..

كان يفكر فيما يحدث له منذ أسبوعين..

كان يشعر و كأنه سقط في شبكة عنكبوتية..

شبكة عنكبوتية؟!..

حتى يا ناجي و أنت تفكر تستعين بمصطلحات الكمبيوتر الخاصة بالانترنت.. يا الهي.. ما هذا الذي يحدث.. نعم.. إنني آخذ مرتباً جيداً كمهندس كمبيوتر و لكنه لا يكفيني.. ربما إنني أبالغ في إعطاء الفقراء كما تقول أختي.. سامحني يا رب.. من يدك و أعطيناك.. و لكن الأحوال تتحسن.. قاعة الفنون حققت كل ما احلم به.. و التعاقدات مستمرة و ثابتة.. شركة الصرافة التي اعد لها رسوماً لبرنامجهم الجديد أيضا عمل يبدو جيد و رائع..

من هذا الذي يفعل كل هذا؟!.. و هل للخير أم يريد شيئاً ضد القانون.. لا اعلم.. و لكن الحذر و الحرص واجبان.. حان الوقت لتسليم الرسوم.. هيا..

الثلاثاء .. 27 / 9 .. السابعة مساءاً..

" شكراً يا باش مهندس.. اتفضل الشيك.."

نطقت السكرتيرة عبارته بروتينية أصبحت جزءاً منها.. أتي احد الأشخاص.. و قال للسكرتيرة:

" بعد إذنك يا مدام صفاء.. أحب أشوف الرسومات.."

هتف ناجي قائلاً:

" حضرتك اسمك صفاء؟.. حضرتك تعرفيني ؟ مش كده؟.."

أجابته و قد اعتادت علي أسلوبه الذي بدا لها عجيباً:

" ايوة اعرفك.. حضرتك الباش مهندس ناجي اللي عمل الرسومات لبرنامج الصديق الخفي.."

بدت علامات الاحباط علي وجه ناجي..و قال احدهم:

" المقدمة ممتازة يا باش مهندس.."

قالت السكرتيرة:

" صحيح يا أستاذ صلاح؟.."

هتف ناجي:

" اسمك صلاح؟ أنت تعرفني قبل كدة؟.."

قالت السكرتيرة في حدة:

" ايه الحكاية يا باش مهندس؟.. كل واحد هتقوله أنت تعرفني.. أنت تعرفني.. فيه ايه؟.."

قال ناجي في رجاء:

" ممكن اعرف أسماء اللي هنا و يبتدي بحرف الصاد؟.."

ضحكت السكرتيرة و صلاح..و قال الأخير:

" كل اللي هنا في الشركة اسمه بيبتدي بحرف الصاد.. أنت عارف اسم شركتنا ايه؟.."

قال ناجي في فضول:

" الحقيقة ماخدتش بالي.."

قالت السكرتيرة ضاحكة:

" الشركة اسمها { صاد صرافة } و الموظفين كتير.. و السماسرة اللي تبعنا كتير.. كلهم { ص } علشان نميز شركتنا.."

اطرق ناجي برأسه خجلاً.. و مد يده إلي الشيك.. و ابتسم بصعوبة و قال:

" أنا آسف.. و عموماً.. أنا متشكر.."

خرج ناجي و كانت تُوجد عينان ترقباه جيداً.. عينان لوجه مبتسم في رضا..

الأربعاء.. 28 / 9 .. الحادية عشرة و النصف مساءاً..

انهي ناجي صلاة نصف الليل و هو يشكر الله علي إحسانه.. جلس إلي الكمبيوتر.. و ظهرت السطور عليه تقول:

" عملك رائع.. و نحن نشكرك عليه.."

كتب ناجي:

" ألم يحن الوقت لأعرف من أنت؟.."

كتبت الشاشة:

" ستجد كارتاً باسمي في جيب السترة.. لقد وضعته بنفسي عندما احتك بك الجميع حينما أتيت إلينا لأول مرة.."

كتب ناجي:

" السترة في المنزل.. أريد أن اعرف الآن.."

كتب الصديق الخفي:

" اسمي هو { صموئيل كمال } "

بدا له الاسم مألوفاً جداً و قالت الشاشة:

" المحاسب صموئيل كمال.. محاسب في شركة صاد صرافة.. و أيضا قاعة دالي للفنون.. الابن الأكبر لعم كمال.. شكراً.."

انقطع الاتصال..

و لم يعد ثانية..

ابداً..

الصديق الخفي مهداة إلي زميلنا و ابن جيلنا

" ناجي "

ناجي نسيم أسعد

الذي رحل إلي فردوس الأطهار و هو في العاشرة من عمره..

إلا أننا نشعر به دوماً معنا و في قلوبنا..

كأنه " الصديق الخفي " ..

لكل جيلنا..