Wednesday, August 17, 2011

الرسالة السرمدية



الرسالة السرمدية مُهداة إلي خريجي عام 1998
من اجتماع شباب ثانوي
بكنيسة مار جرجس
بالزقازيق



الرســالة الســرمديــة


" يا الهي.. لم أكن اعلم كل هذا.."
ترددت هذه العبارة في أعماقي.. و غمرني شعور بالرهبة مما قرأته.. كانت نبذة صغيرة من احدي الكنائس أعطاها لي ابني.. كانت بعنوان:
" إن سكت هؤلاء.. فالحجارة تصرخ..لوقا 40:19"
كانت تتحدث عن بعض عجائب الهرم الأكبر.. و العجيب إنني صاحب شركة سياحية.. و كنت اعمل مرشداً سياحياً.. إلا إنني لم أكن اعرف مثلاً إننا إذا رسمنا خطين وهميين من عند الحافة العلوية و الحافة السفلية لمدخل الهرم الأكبر.. فان هذين الخطين سيقودان إلي الحدود العلوية و السفلية لمدينة بيت لحم القديمة حيث وُلد رب المجد يسوع المسيح.. بالإضافة اليــ..
" أبي.. أبي.. هاهي قد صدرت اخيرا.."
تصاعد صوت ابني الحبيب و هو يأتي نحوي بخطوات هادئة كعادته.. و ابني هذا في الصف الثالث الثانوي.. و كان يحمل معه بطاقته الشخصية.. اختطفتها منه في لهفة.. و أمسكت بطاقته بأصابع مرتعشة.. و عيناي تنظران إلي كل تفاصيلها.. كان قلبي ينبض بنبضات خاصة. .ها هو ابني يكبر أمامي.. و ها هو يحمل بطاقته الشخصية.. و كأنها إعلان لميلاد آخر له.. ميلاد جديد.. قلت له مبتسماً:
" أهنئك علي هذه البطاقة.."
أجابني و هو يأخذها و يضعها في حافظة نقوده الجديدة:
"شكراً.. و الآن أريد أن أقص عليك نص المسرحية الجديدة التي سنقدمها في عيد الميلاد المجيد.."
جلس أمامي و قلت له بنبرة جادة:
" أرجو ألا يؤثر ذلك علي دراستك.."
ابتسم قائلاً:
" أنا معك زماناً هذا مدته و لم تعرفني يا أبي.."
فنظرت إليه و تذكرت يوحنا 9:14 كثيراً ما يربط كلامه بالكتاب المقدس.. عموماً.. أنا اعلم انه جاد و أمين في كل أموره.. فسألته في فضول حقيقي:
"و ما هي المسرحية الجديدة؟"
أجاب بحماس:
" هي عن الميلاد.. رؤية جديدة عن الميلاد.. أحداثه.. شخصياته.. علاقته بنا في العصر الحالي.. المسرحية تحاول أن تقدم رسالة جديدة عن الميلاد.. إنني تقريباً احفظها كاملة.. و لكني سأقصها بطريقة السرد يا أبي.. ما رأيك؟!.."
خاطبته و قد أثارني حماسه:
" هيا يا ولدي.. ابدأ.."
قال ابني في حماس:
" المسرحية يا أبي ليست عادية.. فاحياناً يتحدث الطفل يسوع.. و احياناً يتحدث شخص من العصر الحالي.. بالإضافة اليـ.."
قاطعته في نفاذ صبر:
" ابدأ يا ولدي.. هيا.."
و بدأ يسرد المسرحية.. بطريقته..
لم يكن الشيخ يوسف النجار شخصية هامشية في أحداث الميلاد.. لقد كان مدركاً لطبيعة دوره الهام كخادم لسر التجسد كما تلقبه الكنيسة.. إن مساعدته في تنظيفه للحظيرة قبل أن يُولد الرب في المذود لتليق بقدومه نوعاً.. و إشعاله لقليل من النار للتدفئة.. و إضاءته للقناديل لكسر الظلام.. كما أن احتماله لآلام السير طويلاً حتى بيت لحم و السيدة العذراء راكبة علي حماره.. و احتماله للبرد و السهر رغم شيخوخته.. كل هذه الأمور و غيرها اهّلته للمرتبة الرفيعة التي يتمتع بها أن يُدعي اباً للرب يسوع بالجسد.. و هو حامل لسمات جده الأكبر " داود " النبي و الملك.. فصفات يوسف النجار الملوكية جعلته يتعامل بشهامة مع الحَبَل غير العادي للعذراء مريم.. هذه السمات الملوكية أعطته نبلاً عجيباً.. لم يتعارض مع رقة حاله.. بل حتى مهنته التي يحترفها و التي تَقَدّست بعمل الرب يسوع بها كانت احدي معطيات الألم التي عاش بها الرب يسوع.. ناظراً للصليب كل حين..
ما شعورك الآن يا أبانا يوسف النجار؟ .. و نحن نحدثك من عصر العلم و التكنولوجيا..
إن شعوري الآن هو الرضا الكامل.. من يبذل علي الأرض يعطيه الله في السماء.. لقد عشت مع الهي منذ ولادته جسدياً و حتى سن السادسة عشر.. السن الذي تأخذون فيه البطاقة الشخصية.. آية سعادة تلك نلتها علي الأرض.. أقول لكم.. كونوا أقوياء.. و القوة تأتي كل يوم بميلاد جديد.. ميلاد سرمدي..
توقف ابني عن الحديث.. حاولت أن أفكر فيما قاله عن القديس يوسف النجار.. إلا انه لم يمهلني.. و عاود السرد..
و دوري يا أبي في المسرحية هو احد الرعاة.. سنجلس اولاً .. ثم يظهر لنا ملاك.. و عن طريق المؤثرات الحديثة سنعطي انطباعاً مبهراً عن ظهور الملائكة.. و تتغير الخلفية.. و في أسلوب سريع نتحرك للمذود.. في الحظيرة الدافئة.. فالليل مظلم و الطريق طويل.. و الجو بارد.. فنحن في أكثر الأيام برودة.. و لكن الحظيرة دافئة نوعاً.. هل بسبب النار القليلة؟!.. ربما.. و لكن الحيوانات كثيرة هنا.. و أنفاسها كفيلة بتدفئة المكان..
أنفاس الحيوانات هي وسيلة التدفئة لرب المجد!!..
انه طفل صغير جميل..لا يُوصف.. نحن نريده دمية علي وجهها ابتسامة.. و لكن المخرج بريد طفلاً حقيقياً.. طفلاً حياً.. فهو ميلاد حي.. لكائن حقيقي.. و ليس دمية.. و يا للأسف.. نحن نجعله دمية في داخلنا.. يا أبي.. إن الرعاة هم رمز للطاعة.. لقد تركنا أغنامنا.. و قطيعنا.. لم نحرسه.. علي الرغم إننا ساهرون لحراسته.. و لكننا ذهبنا للمولود الإلهي و نحن فارغين..
اطعناه و ذهبنا لرؤيته لمّا دعانا.. انه يدعونا دوماً.. بدون ملل.. لا ييأس.. إنها دعوة دائمة من ميلاد سرمدي..
توقف ابني عن الحديث.. لقد تغير كثيراً.. اقصد.. لقد كبر.. منذ فترة صغير كنت انظر إلي أسفل حتى أحدثه.. الآن انظر إلي اعلي.. يا لسعادتي كأب.. إن ملامح شخصيته بدأت تتحدد و تتضح.. انه إنسان رائع.. امتزجت هذه الأمور بداخلي مع ما تذكرته من بطاقته الجديدة.. و أسلوبه في الحوار.. و طريقته الراقية.. هتفت في انفعال:
" حقاً.. هذا هو ابني الحبيب.."
اطرق برأسه إلي الأرض.. و همّ بأن يقول شيئاً.. و لكن الموقف لا يُحتمل.. أو أن قلبي لا يحتمل.. فقلت مسرعاً:
" هيا يا ولدي..و ماذا بعد؟!.."
و المجوس.. أول من آمن من الأمم و كرز.. أتوا من بعيد بهدايا.. إنهم قادمون إلي ملك.. و ليس إنسان عادي.. و المخرج ينوي أن يُظهر هذا.. هل تعرف كيف يا أبي؟..
من خلال المذود.. مذود البقر المملوء قشاً.. فالقش الأصفر الذي كان الطفل يسوع فوقه.. هو العرش الذهبي.. الذي جلس عليه اولاً..
بدأ الرب ملكاً علي عرش من قش في حظيرة للحيوانات..
و انتهي ملكاً علي خشبة الصليب في هضبة الجلجثة..
ما هذا أيها الجالس علي العرش السمائي الذي يحمله الشاروبيم؟.. هي خطايانا.. نعم.. لقد امضي المجوس شهوراً طويلة في السفر.. ليروا هذا الملك المولود.. ليس في مجد.. بل في تواضع.. و بدلاً من أن يذهبوا وراء النجم المنير.. انبهروا بأضواء أورشليم.. أضواء العالم.. و لكنهم عادوا إلي مكان الرب.. و قدموا له ذهب المُلك.. و لُبان الكهنوت..
و لكننا نسأل ذلك الذي قدم له مر الآلام..
لماذا هذه الهدية؟.. هل يجب علي مخلصنا أن يتذكر آلامه في كل حين؟.. الا يكفيك ما تعرفه عن مكان الميلاد.. عن حظيرة الحيوانات.. عن رائحة المكان.. لماذا لم تقدم له جبّتك الثمينة لتدفئه عوضاً عن الاقمطة و القصاصات التي كان يتستر بها.. لماذا المر؟..
قل لنا لماذا؟!..
لماذا تهاجموني هكذا.. إن المر في المشرق نستخدمه للتطهير و الشفاء من أمراض كثيرة.. انه مر.. و لكنه يشفي.. الذي بجراحاته شُفينا.. أنا اتفق معكم في أن المر مؤلم.. و في انه تذكار لآلامه.. و لكن لماذا تحزنون لآلامه و كأن السبب فيها بعيد عنكم.. ألستم و أنا و الجميع مشتركين في هذه الآلام..
أرجوكم..
توقفوا عن الحديث بهذه الطريقة.. و لا تدّعوا بأني أيقظت فيه الشعور بالألم.. كلنا السبب في آلامه.. السؤال الآن.. هل ما زال يشرب كأس المر بسببنا..أم بدأنا في الاستجابة.. و الرد بايجابية علي الميلاد..
الميلاد السرمدي..
قال ابني:
" صدقني يا أبي.. إن الرب يسوع يريد منّا أن نكون أقوياء.. ذوي شخصية ايجابية فاعلة و مؤثرة.. و متمتعين بحرية حقيقية.."
سألته:
" هل يوجد نص مكتوب للمسرحية؟.."
قال:
" نعم.. في مجلة أصدرت رسالة عن الميلاد تحمل نفس اسم المسرحية.."
سألته في فضول:
" و ما هو اسمها؟.."
صمت لثوان.. ثم قال:
" الرسالة..
الرسالة السرمدية.."
الرسالة السرمدية مُهداة إلي خريجي عام 1998
من اجتماع شباب ثانوي
بكنيسة مار جرجس
بالزقازيق