Wednesday, August 17, 2011

البطل ®


البَـطَـل
قصة قصيرة
" يا لها من فرصة رائعة.."


هتفت بهذه العبارة في سخرية واضحة.. وبدا التبرم والضيق واضحين على وجه محدثي.. ضحكت طويلا وأنا الاحظ الوجه الأوروبي ذا الملامح القريبة منا نوعاً وهى في حالة غيظ وغضب شديدين قال محدثي في هدوء مضطرم بالنار:
"لا داعي للسخرية.. بإمكانك الرافض وبإمكاني البحث عن غيرك.. الكثيرون يتمنون ذلك.."
قلت في سرعة:
" لا يا فرانكو.. إنني لم اقصد السخرية منك بالطبع.. ولكن السخرية من حالي.. أنني أشكرك بالفعل على هذا العرض ..ولكن قل لي هل سآخذ دور البطولة ؟!.."
انفجر فرانكو ضاحكاً واشتركت معه في الضحك وقال وسط ضحكاته:
" أنت بالذات بعيد جداً عن دور البطولة في هذا الفيلم!!.."
قلتُ ضاحكاً ولكن بصوت بدت نبرات الحزن فيه واضحة:
"معك حق.. أنا مجرد كومبارس.. أين أنا من ادوار البطولة؟!.."
مال فرانكو نحوى وقال في خبث :
" هل حزنك هذا لأنك مجرد كومبارس.. أم لأن دور البطولة في هذا الفيلم بالذات بعيد جدا عنك؟!.."
أجبتُه وأنا أكاد أبكى:
"الاثنين.."
عاد فرانكو إلى وضعه الأول وقال في جدية :
"أرجو أن تعد نفسك للسفر الأسبوع القادم يوم الـ.."
قاطعته مندهشاً :
"ولماذا السفر؟!.. و أين؟!.."
قال فرانكو في لامبالاة :
" أنت تعلم أن المخرج هذه المرة مختلف جداً ويريد التصوير في الأماكن الطبيعة للأحداث .. انه فيلم ضخم.. حتى أن أجرك كبير جداً بالنسبة لكومبارس في مشهد واحد.."
قلتُ في ضيق:
" مع احترامي للمخرج ولكن مادام الإنتاج ضخم جداً هذه المرة يمكنهم بناء استديوهات كاملة طبق الأصل من الأماكن الطبيعية.."
قال فرانكو في لا مبالاة كعادته :
" نقودهم.. وهم أحرار فيها.."
قلتُ في استسلام :
"معك حق.. الكلمة الأخيرة لهم.. "
نهض فرانكو قائلاً:
" سأتصل بك خلال يومين للتأكيد على ميعاد السفر.. كن مستعداً.. "
نهضتُ بدوري وقلت في يأس:
" هل سأكون كومبارس متكلم أم صامت؟!.."
قال فرانكو وهو يسير تجاه الباب:
"ستقول كلمة واحدة.. ستعرفها فيما بعد.."
قلتُ في سخرية مريرة:
" يا له من دور صعب!!.."
خرج فرانكو وهو يقول:
" إلى اللقاء.."
لم أُجبه..
أغلقتُ الباب.. و أنا أفكر في حالي.. قصتي مكررة في هذا الزمان.. شاب أنهى دراسته.. الشاب لا يجد عملا.. الشاب يسافر إلى البلد الاوروبى وراء البحر.. الشاب يسكن في مسكن حقير مع شباب مثله.. الشاب يقوم بأعمال حقيرة ذات أجر ضئيل.. في النهاية الشاب يتذمر على الله..
نعم..
آية حياة تلك التي يريد الله لنا أن نحياها؟!..
أعتقد أن الوقت غير مناسب للنقاش في هذا الأمر.. يجب أن أجهز نفسي لأؤدى دوري ككومبارس في هذا الفيلم الضخم..
الضخم بحجم أحزانى!!..
**********************************
"....الرجاء الاستعداد وربط أحزمة الأمان."
نطَقتْ المضيفة الجوية بهذه العبارة في ختام خطبتها الطويلة التي تعلن عن قرب وصولنا.. كنت خلال الرحلة القصيرة أفكر في الأيام القادمة ومتى ننتهي منها..
نزلنا من الطائرة.. و وصلنا إلى مناطق التفتيش.. كنا مجموعة كبيرة.. المخرج الشهير.. ومساعدوه.. المصورون و أدواتهم المعقدة التي لم تعد غريبة علىَّ.. المئات من الكومبارس.. وهذا الرقم بدون مبالغة.. تركنا المطار وشعرت بالفضول لمحاولة التعرف على الممثل الذي سيقوم بدور البطولة.. وسيجسد تلك الشخصية العظيمة التي هي ملء الأسماع والأنظار.. إلا اننى فشلت في ذلك..
أعتقد أنهم سيأتون بممثل غير مشهور.. والا كنت عرفته.. على آية حال علىَّ أن أجهز نفسي وأستــ..مهلاً.. مهلاً..
هل تنظرون ما أنظر؟!.. إنه هو.. بالتأكيد هو البطل.. اننى لا أنظر وجهه..
إنه يتحدث مع المخرج وظهره لي.. إنه طويل القامة مثل الشخصية التي سيمثلها.. كما أنه يتــ.. ماذا؟!..  ما هذا؟!.. لقد استدار فجأة ونظر نحوي..
ياإلهى.. لماذا نظر لي؟!.. لماذا؟!.. و لماذا أنا مرتبك هكذا؟!..
ينبغي أن أنسحب مبتعداً.. هذا أفضل جداً..
*********************************
تابعت التصوير في اليومين الماضيين في ملل كامل.. واليوم جاء المشهد الذي سأودي فيه دوري.. والمشهد يتلخص في أن البطل يسير في الموكب ونحن الكومبارس محيطون به.. وسأقول الكلمة التي هي دوري مرتين بطريقة عشوائية.. فقط هذا كل شئ.. ولكن يجب أن أقولها بغضب و بإقناع.. و الحقيقة وجدت أن المشهد يعطيني مجالاً للارتياح النفسي لكي أصب جام غضبى من حالي خلاله..
"اكشن"
قالها المخرج بصوته الرفيع الحاد.. وبدأ الموكب ببطء.. والبطل يسير ببطء.. الحقيقة أن أدوات التجميل جعلت من الممثل صورة طبق الأصل إلى حد كبير من الشخصية الأصلية.. كان البطل يحمل حملاً خفيفاً جداً ولكن عليه أن يؤدى المشهد وكأن الحمل ثقيل.. بدأ البطل في الإقتراب إلى حيث أقف..
إنه يقترب..
يقترب أكثر..
إقترب جداً..
حانت اللحظة.. و صحتُ بكل قوتي وبكل غضبى الحقيقي:
" إصلـ.."
ولكن كلمتي بُترت.. إن المشهد ينص على أنه يسير مطأطئ الرأس بسبب الثقل الذي يحمله..
لماذا رفع رأسه ونظر لي لمدة ثلاث ثوان كاملة؟!..
صدقوني إنها مساحة زمنية في لغة السينما ولم أستطع أن أكمل الكلمة..
بل علي النقيض..
بكيتُ.. بكيتُ كما لم ابك أبداً في حياتي..
بكيتُ و بكيتُ و بكيتُ..
و مضى البطل حاملاً الثقل الذي يمثل الصليب..
صليب العار والخلاص..
********************************
بعد سنتين في بلدي الحبيبة.. يوم الجمعة العظيمة..
هاهى الأحداث التي نُصليها في الدير عشتها كلها تقريباً..
لا أنسى إلى الآن تهنئة المخرج لي على قدرتي التمثيلية العالية !!.. وقدرتي على التنقل من حالة مزاجية معينة إلى حالة مزاجية أخرى مضادة !!..
و وعدني أن آخذ قريباً دوراً للبطولة.. و فعلاً أرسل لي مع فرانكو عرضاً بأن أصبح البطل.. في أحد أفلامه الهامة!!..
و لكن هيهات..
الآن فقط أصبحت بطلاً حقيقياً..
 حاملاً لصليب الجهاد مثل سيدي و مُخلــ..
"من فضلك يا أبونا.. متى ستبدأ سهرة سبت الفرح؟!.."
كان طفلاً يقضى مع أسرته أسبوع الآلام في الدير..
نظرتُ إليه طويلاُ..
و قلتُ له:
"ستبدأ بعد ثلاث ثوانٍ كاملة 3-2-1 إسمع.."
وتعالى صوت الأجراس..
أجراس سبت الفرح..
و البطولة..